تباين التحالفات وتفاوت السرعات

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي
تلقيت دعوة من وزارة الإعلام السعودية لحضور فعاليات القمة العربية في جدة بحكم اهتمامي بالفكر القومي وعملي في المجال العربي، حتى إن مصر رشحتني رسمياً عام 2011 لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، ولكن ظروف مصر في ذلك الوقت لم تكن تسمح لها بأن تتشدد في مطلبها في ظل ثورة شعبية بل وفوضى سياسية، وقد قبلت الدعوة رغم ظروفي الصحية وخرجت بانطباع قوي مؤداه أن المنطقة العربية تتحول بل إن العالم كله يتغير.

تحالفات جديدة، ومواقف مختلفة، وسرعات متفاوتة تشير إلى قرب ظهور مهرجان الميلاد الجديد لدول وشعوب في المنطقة، وقد جاء انعقاد هذه القمة في ظل أحداث مهمة، أخطرها ما جرى للسودان العربي الإفريقي، وأهمها عودة سوريا العروبة إلى أحضان أمتها بعد غيبة وصلت إلى أكثر من عقد كامل من الزمان، وهي تذكرني بغيبة مصر عن أحضان أمتها في أعقاب سياسات (كامب ديفيد) لمدة تقترب من مدة الغياب السوري رغم اختلاف الأسباب في الحالتين. إلا أن الأمة العربية تحتاج إلى أركانها دون تفرقة أو تمييز، كما أن هذه القمة العربية الأخيرة قد انعقدت بعد ذلك القرار المدوي باستئناف العلاقات بين طهران والرياض، وتأثيره على العلاقات الخليجية- الإيرانية بل وامتداده إلى دول أخرى عربية خارج التجمع الخليجي، والإحساس بأن ذلك الحدث يشير إلى مرحلة جديدة في إقليمي غرب آسيا وشمال إفريقيا.

ولا شك أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/ شباط 2023، وضحاياه بالآلاف إلى جانب كارثة الصراع الدامي في السودان، وتدمير البنية التحتية للدولة العربية التي تعتبر بوابة لإفريقيا بين الشمال والجنوب، وسقوط مئات القتلى وأعمال التدمير الذاتي التي ليس فيها رابح ولكن لها خاسر وحيد هو الشعب السوداني، الذي يدفع الفاتورة من ضحايا الطرفين، وقد اقترح بعض المهتمين بالشأن الإقليمي والدولي أن تدعو القمة العربية إلى إنشاء مؤسسة قومية كبرى للإغاثة. فإذا كانت (الأنروا) هي المعنية بغوث اللاجئين الفلسطينيين؛ فإن المنظمة المقترحة أو الوكالة الجديدة ينبغي أن تعنى بشؤون اللاجئين والنازحين جراء الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل أو السيول أو من صنع البشر مثل مأساة ما جرى في السودان، وقد تحدث إليّ صديقي الخبير الدبلوماسي المتخصص في الشؤون الدولية السفير محمد أنيس في هذا الشأن؛ ورأيته اقتراحاً وجيهاً وفكرة ضرورية في ظروف الأمة العربية وتداعيات المشكلات والأزمات التي تحيق بها، وذلك تفكير علمي وعملي يحسن أن تحتشد له الإمكانات العربية في المستقبل القريب، ولعلنا نلاحظ من المشهد العام دولياً وإقليمياً أمرين هما:

* أولاً: إن الشرق الأوسط يمر بمخاض حقيقي، سوف يؤدي إلى ميلاد تحالفات جديدة ويغيّر من طبيعة ما كان قائماً، فالصورة تختلف بسرعة والأمور تمضي على نحو غير متوقع، ويتحول خصم اليوم إلى حليف الغد. كما أن التحالفات لم تعد بالضرورة كاملة؛ بل يمكن أن تكون تحالفات ناقصة توافق فيها الدولتان (أ) و(ب) على 60 أو 70 % فقط من الأرضية المشتركة، ويقبلان الاختلاف وحرية القرار في الباقي. فنحن في عصر التحالفات الناقصة وليست بالضرورة التحالفات الكاملة، ولعل العلاقات العربية بروسيا الاتحادية والصين في جانب، وعلاقات تلك الدول العربية ذاتها بالولايات المتحدة والغرب الأوروبي، هي خير دليل على صحة ما نذهب إليه في هذا الشأن، فلم تعد التحالفات مغلقة ولكنها أصبحت مفتوحة تسمح بالانضمام إليها أو الخروج منها، وفقاً لظروف كل دولة، ولذلك قد يحسن تسميتها بالتجمعات ذات التوجه المشترك تجاه القضية الواحدة.

* ثانياً: إن الدول لا تمضي بسرعات واحدة، ففي الاتحاد الأوروبي مثلاً لم تقبل كل دول الاتحاد وقتها الانضمام لمنطقة اليورو، كما لم تتحمس للتأشيرة المشتركة (شنجن)؛ بل ظلت السرعات متفاوتة في الإحساس الأوروبي تجاه العناصر المطروحة، وقبل الجميع طواعية التزامات محددة؛ ليست بالضرورة هي الالتزامات الجماعية التي وافقت عليها أطراف أخرى. ولو لاحظنا مواقف الدول المختلفة من الأزمة الأوكرانية، ومحاولة بعضها اللحاق بركب الحياد واللعب على الحبال كما يقولون، فسوف نجد أن ذلك قد سبّب بعض التناقض في مواقف عدد من الدول نتيجة تباين السرعات في قراراتها.

هذه نظرة سريعة لمفهوم السرعات المختلفة، في ظل نظام إقليمي جديد تشير كل الأحداث إلى قرب ميلاده.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hdhupjs

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"