عادي

«مزاج».. رواية ترصد علاقة الشرق بالغرب

19:44 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

في رواية «مزاج» التي ترجمتها إلى العربية إيمان محمود الهباش، يسلط الكاتب الفرنسي «روبير سوليه» الضوء على قصة شاب ترك القاهرة متجهاً إلى فرنسا في حقبة الخمسينيات، وكان في الثامنة عشرة من عمره، وهو يمثل نموذجاً لشاب شرقي ذهب إلى باريس، واستطاع أن ينسج بداخلها شبكة من العلاقات، التي يصعب الوصول إلى منتهاها أو إلى الهدف منها.

يصل القارئ، أو يظن أنه وصل إلى حقيقة بطل الرواية بازيل باتركاني وإلى أسلوبه في التعامل مع الناس على اختلاف مشاربهم، وكذلك إلى آليات شبكته وما ينعشها وهو «المزاج» الذي قد يصعب ترجمته في الغرب – على حد تعبير المترجمة.

قد نجد أن هذا المفهوم يحوي معنى العفوية، الذي يتفق إلى حد كبير مع المفهوم المتعارف عليه لدى الشرقي، والذي يفترض أن يجد المرء متعته في العطاء دون انتظار لأي مقابل، لذا نلاحظ أن بازيل يجد متعته ومزاجه في إسعاد الآخرين، من دون مقابل، وفي حرصه على أن يتيح الفرصة للآخرين لكي يسعدوه بدورهم.

يقول روبير سوليه عن شخصية بازيل إنها شخصية مخترعة، وقد يكون لها ملامح من الواقع، إلا أنه قد اختزل ملامح عشرات الشخصيات الواقعية في هذه الشخصية الفنية، وقد حيرت تلك الشخصية كل من تعامل معها أو سمع عنها، كان قادراً على إثارة الدهشة أينما وجد، لأنه كان يطرح أسئلة مهمة بطريقته التي تحير كل من يقترب منه.

تعرض الرواية وجهة نظر الكاتب في التناقض الواضح بين ثقافة مجتمعين: ثقافة الشرق القديم، الذي مني بالفساد والتحزب والتفضيل، وشقت الخرافة طريقاً إليه، وثقافة الغرب الحديث القائمة على العقل والمساواة، وتشق طريقها معتمدة على الكفاءة والأحقية والقانون.

يكشف الراوي على مدار الرواية حتى نهايتها، ليس عن تجاوزات الشرقيين فحسب، لكن عن عبثية وغرابة الشبكة التي نسجها ذلك الشخص في قلب المجتمع الباريسي، الذي يضم طبقات اجتماعية مختلفة، من رواد المقاهي والوزراء والعلماء ذوي الشهرة العالمية وقدامى المحاربين والمحامين والرهبان، حيث يجد كل منهم مأربه في هذه الشبكة الخفية.

ينتمي الكاتب الذي ولد في مصر عام 1946 لأسرة من الجالية الشامية، التي وجدت في مصر ملاذاً وطمأنينة، وأبدعت نتاجاً أدبياً كان له كبير الأثر في النهضة الثقافية، ومع قيام ثورة يوليو 1952 تقلص الوجود الأجنبي في مصر، وتبع ذلك هجرة معظم الأجانب، ومعهم أسرة روبير سوليه عام 1964 بعد أن أنهى دراسته في ثانوية الجيزويت ليستكمل دراسته في فرنسا في المدرسة العليا للصحافة.

عمل سوليه محرراً في اللوموند واستمر فيها لأكثر من عشرين عاماً، متنقلا بحكم عمله مراسلاً بين روما وواشنطن في انقطاع تبدد ظلامه عندما عاد إلى مصر مرة أخرى بهدف تغطية افتتاح مستشفى عين شمس الذي أسهم الفرنسيون في بنائه.

بدأت مرحلة جديدة في حياة سوليه لدى قيامه بجولة مع منظمة اليونيسيف في دلتا مصر، والتي كان يعرفها في طفولته وصباه، حيث جعل من التغيير الذي طرأ على هذه المناطق مادة لعدد من كتبه ورواياته التي تمثل الحنين إلى الوطن، وكأنه قدر.

كتب سوليه أعمالاً تجسد هذا الحنين مثل «الطربوش – سيمافور الإسكندرية – المملوكة» ثم أصدر بعض المؤلفات التاريخية، وثيقة الصلة بمصر، وبأحداث موثقة لا تحمل أية رؤية من الخيال، بل تعتبر هدفاً للدراسات السياسية والاجتماعية، مثل «مصر ولع فرنسي – رحلة المسلة المصرية إلى باريس – علماء بونابرت – حجر رشيد» وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3n5yee43

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"