عادي
قرأت لك

«هكذا تكلم القارئ».. هل نعيش زمن الناقد الافتراضي؟

15:02 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
باتت الكتابات التي تتناول القارئ، تحتل مكانة مميزة، وذلك إثر الجدل الكبير حول موقع المتلقي من النص، وعلاقته بالكاتب والناقد، ولئن كانت هنالك آراء قد نعت المؤلف، فإن هنالك من أعلن نهاية الناقد، وكل تلك الآراء هي بمثابة اتجاهات تعزز من دور القارئ، حيث يرى الكثيرون أن المتلقي هو صاحب المكانة الأساسية والدور الحاسم في عملية المعرفة، وربما ما ينعش ذلك الجدل في كل مرة هو الثورة الرقمية الحديثة، والتي عمقت هي الأخرى من تلك المكانة للمتلقي.
كتاب «هكذا تكلم القارئ.. النقد الافتراضي ومشاغل أخرى»، لمحمد حسن المرزوقي، الصادر في طبعته الأولى، عن دار روايات إحدى شركات مجموعة كلمات في الشارقة عام 2018، هو من تلك المؤلفات التي غاصت عميقاً في ما يتعلق بالقارئ ومنزلته وموقعه في فعل القراءة الذي هو «من»، و«إلى»؛ أي معادلة تعتمد على وجود مصدر ومرسل إليه وفق عملية معقدة، إذ إن الاطلاع ليس مسألة سهلة كما يبدو للكثيرين، فهنالك الكاتب الذي يظهر، كما رسخ في أذهان الناس، كبطل للفعل الكتابي، وهنالك النص نفسه؛ أي المادة أو الموضوع المكتوب، وهنالك القارئ الذي يبدو، وفقاً لتلك العلاقة، أن النص يتوجه إليه مباشرة.
ووفقاً لذلك، فإن الكثير من المؤلفين حاولوا أن يفككوا تلك المعادلة التي ظلت جامدة، ولعل من أشهر هؤلاء الناقد الفرنسي موريس بلانشو، الذي استهدف المؤلف، بصورة أساسية، فالكتابة عند بلانشو ليست بالضرورة تعبر عن آراء وأفكار وأحوال كاتبها، أي أنها ذات طابع غير شخصي، محايد، فهو يقول عن دور القراءة في تغييب المؤلف: «كل قراءة هي نوع من الخصام الذي يقضي على المؤلف»، ولعل بلانشو ينطلق من ضرورة ترك المجال للكلمات، لكن أبرز محطات ذلك النوع من التنظير كانت مع المفكر والناقد والمنظر الفرنسي الكبير رولان بارت، الذي أعلن «موت المؤلف»، في سياق تنظيره ضد ممارسات النقد الأدبي التقليدي، حيث قصد بارت هزيمة سلطة المؤلف وذاته الطاغية على النص، بالتالي تحرير النص من تلك الهيمنة، وذلك من أجل خلق حالة مختلفة في عملية القراءة بحيث يخضع النص للقارئ، عبر إيجاد علاقة إبداعية بين المؤلف والقارئ، فهذا الأخير بحسب بارت، هو من الثقافة والمعرفة بحيث يدرك ما يريد المؤلف قوله، بل وربما يتجاوزه عبر التأويل الخلاق، ويذهب إلى أماكن في النص لم يعتن بها الكاتب، ومنذ ذلك الوقت الذي قدم فيه بارت أطروحته تلك، أصدر الكثير من المنظرين كتابات كثيرة حول عملية القراءة ومكانة كل من النص والكاتب والمتلقي.
اللافت في كتاب المرزوقي هو العنوان المميز، والذي يحيلنا إلى عناوين لمؤلفات لكتاب وفلاسفة كبار مثل: «هكذا تكلم زرادشت»، للفيلسوف الكبير فردريك نيتشه، حيث يبدو واضحاً أن المؤلف، وهو قارئ في الأصل، قد تأثر كثيراً بعوالم الكتب والمؤلفات الأدبية والفلسفية بصورة خاصة، وهو قد وضع هذا العنوان بطريقة لافتة، وكأنه قد صممه في صورة بيان للقارئ، يعلن فيه عن موقف المتلقي من النصوص والكاتب والنقد؛ أي أن الكتاب، بحسب العنوان، هو صوت للقارئ، يطرح من خلاله المؤلف موقفاً جديداً ومختلفاً، وقد نجح حقيقة في اختيار عنوان جذاب، كعتبة نصية مهمة تقدم إضاءة ساطعة حول موضوع الكتاب.
الكتاب يقع في 115 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على مقدمة والعديد من المواضيع والتعريفات والعناوين مثل: «النقد الأرستقراطي»، و«النقد الوثني»، و«نقد المجاملات»، و«النقد الكسول»، و«نقد الإشاعات»، و«النقد الرياضي»، و«النقد الهرِم»، وغير ذلك من المواضيع التي تدور حول أنواع وأشكال من النقد، حيث يبدو أن الكاتب يركز بصورة أساسية، في سياق تناوله لعملية القراءة، على مسألة النقد، والمفاهيم المتعددة حوله، وبصورة أساسية «النقد الافتراضي»، وهو المصطلح الذي صاغه مؤلف الكتاب ويعمل على تقديمه وطرحه للنقاش العام بين المهتمّين، ويحاول الكاتب أن يعمق من فكرته حول ذلك النوع من النقد في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.
*عضو جديد
ويشير المؤلف إلى أن ساحة النقد الأدبي، لم تعد وقفاً على أساطين وأساتذة النقد الكلاسيكيين، فقد انضم إلى نادي النقاد عضو جديد ومشاغب، فرض نفسه عليهم وسحب البساط من تحت أقدامهم، وبدأ بممارسة صلاحياته كعضو فاعل ضارباً عرض الحائط والنوافذ والأبواب بكل شرط الانتساب إلى ذلك النادي، الذي يضم نخبة من النقاد المخضرمين، تبدو مهمتهم هي شرح وتفسير النص ومقولات المؤلف، وذلك العضو الجديد الذي تجرأ واقتحم تلك الأسوار الحصينة والأبراج العالية هو «الناقد الافتراضي»، الذي هو في الأصل قارئ أصيل، يجد في القراءة عالمه، وينشط في مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من عوالم الشبكة العنكبوتية، فقد نشط مؤخراً، في غرب العالم وشرقه، تيار نقدي، يمارس نقداً من نوع مختلف عبر منصات افتراضية أنجبتها الثورة الهائلة في مجال الاتصالات والتقنية، حيث يضم هذا التيار شريحة واسعة ومتنوعة من القراء، يقدمون انطباعاتهم وآراءهم في «الفضاء المفتوح»، حيث بدأت ملامح هذا «النقد الافتراضي»، تتضح مع ظهور المدونات والمنتديات الإلكترونية، وتعمقت أكثر وترسخت وازدهرت مع ولادة منصات التواصل الاجتماعي.
*مكانة
ويتناول الكتاب، المكانة الكبيرة والمهمة للمتلقي، حيث إن لكل قارئ سلطة على النص أو المادة التي يقرأها، وهي سلطة لا يمكن أن يستهان بها من قبل الكاتب، إذ إن المتلقي كما يرى الكاتب والمفكر الكبير أمبرتو إيكو يصبح سجيناً لوعي المؤلف، وبالتالي يشترك في إبداع النص، ويلفت الكتاب إلى عدم إمكانية ممارسة فِعل القراءة في هذا العصر من دون طرح أسئلة جوهريّة باتت ملحّة إلى درجة لابدّ معها من الإجابة عليها، مثل: هل القراءة حقّاً هي نشاط يُمارس في العزلة؟ وهل لا يزال القارئ في حالة انتظار دائمة للنقّاد، من جهة، كي يكشفوا له عن جواهر الكتب وأسرارها، وللناشر من جهة أخرى كي يقدّم له أرقى آداب العالم؟ والكتاب يجيب عن تلك الأسئلة بطريقة تعزز من مكانة القارئ الذي يحتل مقاماً أسمى من المؤلف نفسه، لأنه لولا القراء ما كانت هناك كتابة ولا كتاب، ويستشهد المؤلف بأحد أبرز الذين نظروا للقراءة والتلقي، وهو الكاتب الكبير ألبرتو مانغويل، الذي ذكر بأنه لم يرتح يوماً لمسمى «الكاتب»، لذلك تجتاحه رغبة دائمة ليصحح لكل من يناديه بهذا اللقب، قائلاً إنه قارئ «قارئ استطاع الكتابة».

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3b8pbbmh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"