100 سنة من كيسينجر

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

مع بلوغ هنري كيسينجر عامه المئة، لا يزال هذا الدبلوماسي البارع والمثير للجدل يمتلك القدرة على الإدلاء برأية في الكثير من القضايا الدولية الحساسة، ويجد من يستمع إليه بين زعماء العالم، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول ما يطرحه من مواقف وآراء سياسية.

بهذا المعنى، لم يكن هنري كيسينجر الأمريكي من أصول ألمانية مجرد «شاهد على العصر»، بقدر ما ساهم في تشكيل النظام العالمي المعاصر، بما له وما عليه، أي أنه لم يكن فقط مجرد جزء من التحولات السياسية الراهنة، بل كان لاعباً في أبرز محطاتها التاريخية، حتى وصف بأنه «ثعلب السياسة الأمريكية».

بغض النظر عن المناصب السياسية والأكاديمية التي شغلها في عدة إدارات أمريكية منذ خمسينات وستينات القرن الماضي، إلا أن التركيز يبقى منصباً على توليه منصب وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد ريتشارد نيكسون بين عامي 1973 و1977، وهو الوحيد الباقي على قيد الحياة من تلك الحكومة. فلقد قاد كيسينجر الكثير من المفاوضات العلنية والسرية، التي أفضت في النهاية إلى خفض التوتر العالمي؛ إذ لعب دوراً مهماً في المفاوضات على إنهاء الحرب الفيتنامية، والتي انتهت بالفعل في عام 1975، بغض النظر عن كلفتها الباهظة للفيتناميين والأمريكيين على حد سواء. كما قاد مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل بعد حرب عام 1973، عبر سلسلة من الجولات المكوكية، واشتهر بسياسة «الخطوة خطوة»، التي انتهت بتوقيع معاهدة «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل. كما أشرف على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1981، وربما لا يزال البعض يتذكر عبارته الشهيرة «باي باي بي» أو - «وداعاً منظمة التحرير». لكن الدور الأبرز الذي لعبه كيسينجر ويعتبر نقطة تحول في مسار الحرب الباردة هو الاستراتيجية البارعة التي اعتمدها لتخفيف الحالة العدائية بين الغرب والشرق، وتحديداً بين التحالف الغربي الأمريكي الأوروبي وبين الاتحاد السوفييتي السابق والصين، والتي أفضت إلى محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية في عام 1969، واتفاقية «سالت» للأسلحة، ومعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية.

كما انخرط كيسينجر في محادثات مع الصين عام 1972، مهدت الطريق للقاء نيكسون والرئيس الصيني آنذاك ماو تسي تونغ، في بكين، وأفضت في النهاية إلى سياسة الوفاق والانفتاح الأمريكي على الصين. لكن يؤخذ على كيسينجر أيضاً أنه كان من «دعاة الحرب» كما يصفه البعض، باعتبار أن الحرب ضرورية لصنع السلام، ومن ذلك وقوفه وراء الكثير من التدخلات الأمريكية في العديد من دول العالم، خصوصاً في أمريكا الجنوبية والقارة الإفريقية وآسيا وحتى في القارة الأوروبية (قبرص) وغيرها، كما يدلي اليوم برأيه في أكثر الأزمات تفجراً بين الشرق والغرب، ويدعو إلى تسوية سلمية في أوكرانيا، ورسْم خطوط لعدم تصعيد الحرب، وإن كان هدير الطائرات والمدافع والصواريخ لا يزال يطغى على صوت الدبلوماسية المخضرمة، إلا أن ذلك لن يمحو بصماته في الساحة الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4976hkhd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"