الأزمة الليبية.. حلحلة أم تعقيد؟

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
شهدت الساحة السياسية في ليبيا تطورات متلاحقة منذ منتصف شهر مايو/ أيار المنصرم، قد يكون لها ما بعدها. فقد قرر مجلس النواب الليبي إيقاف رئيس الحكومة، فتحى باشاغا، وإحالته للتحقيق، وهو القرار الذي أشّر انقسام مجلس النواب. ثم دعا رئيس مجلس النواب إلى تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات.

علاوة على ذلك، أعلنت اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا «6+6» التوصل إلى اتفاق بخصوص انتخابات مجلس النواب ورئيس الدولة. وأخيراً، ثمة مؤشرات على تغيّر في السياسة المصرية تجاه ليبيا، خاصة المبادرة الأممية بإجراء الانتخابات الليبية نهاية العام الجاري.

وإثر مناقشة أداء حكومة فتحي باشاغا، في جلسته بتاريخ 16 مايو/ أيار المنصرم، قرر مجلس النواب تعليق عمل رئيس الحكومة، وإحالته للتحقيق؛ نظراً لفشل حكومته في تحقيق الأهداف التي تعهدت بها، ومن أهمها استعادة العاصمة طرابلس، ومباشرة العمل منها. كما قرر المجلس تكليف وزير المالية، أسامة حماد، المقرب من المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني المتمركز في شرقي البلاد، بتسيير مهام رئاسة الوزراء. وطبقاً للمراقبين للشأن الليبي، فإنّ من شأن هذا التطور تسهيل مخطط دمج حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة فىي طرابلس مع حكومة «حماد». وفي هذا الخصوص، قام صدّام، نجل المشير حفتر، بإجراء اتصالات مع الدبيبة بهدف التحضير لمشروع دمج الحكومتين في هيئة حكومية واحدة، يتقاسم فيها الطرفان أهم المراكز الوزارية.

ومع ذلك، كشف قرار مجلس النواب بسحب الثقة من باشاغا عن انقسام داخل المجلس، خصوصاً أن رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح، رفض حضور جلسة سحب الثقة، ثم صرّح لاحقاً بضرورة تشكيل حكومة مصغرة، بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة؛ للإشراف على إجراء الانتخابات بعد إقرار القوانين الانتخابية.

وفي تطور آخر مهم، أعلنت اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا «6+6»، فى 23 مايو/ أيار المنصرم، تحقيق توافق كامل في ما يتعلق بعدد من الملفات، من بينها انتخاب رئيس الدولة، وأعضاء مجلس النواب، وكيفية إشراك الأحزاب في انتخابات مجلس النواب. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من المواد الخلافية أمام اللجنة، تتمثل في التوافق على ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كما لا يملك أي من مجلسَي النواب والأعلى للدولة، تنفيذ ما توصلت إليه اللجنة التي تتكون من عدد من الأعضاء مناصفة بين المجلسين.

وثمة تطور آخر يشير إلى الاعتراف الدولي بتحسن الأوضاع الأمنية في ليبيا، ويتصل بانعقاد اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة من لجنة المتابعة الدولية التابعة لمسار برلين، في 24 مايو/ أيار الماضي، على الأراضي الليبية، لأول مرة منذ تأسيسها.

ومسار برلين هو عملية متعددة المسارات تسيّرها الأمم المتحدة، انطلقت في عام 2020 بهدف التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء المعنية حول الأزمة الليبية، وتقديم مظلة دولية لحماية المحادثات الليبية-الليبية بشأن مستقبل البلاد. ومع ذلك، أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باثيلي، أمام الاجتماع المذكور، أنّ ثمة «تحديات جسيمة لا تزال شاخصة أمام مسيرة ليبيا نحو الانتخابات، بما في ذلك ضمان بيئة آمنة ومعالجة معضلة التشكيلات المسلحة (الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية)، والنهوض بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني».

وفيما يبدو أنه مؤشر على تغير في السياسة المصرية تجاه الأزمة الليبية، أرسلت القاهرة وفدين أمنيين إلى بنغازي وطرابلس معاً؛ ما يعني انفتاح القاهرة على حكومة الدبيبة. فقد شهدت الأيام الماضية تطورات إيجابية بين الجانب المصري وحكومة طرابلس. ويبدو أنّ الموقف المصري أصبح مؤيداً للخطة الأممية بإجراء الانتخابات في ليبيا. وعلى الرغم من التوتر في العلاقات مع خليفة، أرسلت مصر وفدًا أمنياً أيضاً إلى شرق ليبيا، حيث التقى بعدد من المسؤولين هناك، من بينهم وزير الداخلية عماد الطرابلسي. في إطار محاولة احتواء تطورات الأزمة الليبية، بما يحفظ المصالح المصرية، والتأكيد على الدور المصري في الساحة الليبية.

والخلاصة أن الساحة الليبية تشهد تطورات متعارضة، بعضها يدفع إلى التفاؤل بقرب حلحلة الأزمة السياسية المركّبة في البلاد، وبعضها يثير التشاؤم بشأن مصير الخطة الأممية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نهاية العام الجاري، ومستقبل البلاد جميعاً. وكان الله في عون الشعب الليبي.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msp6ssm2

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"