عادي
فلاديمير ماكوفسكي أحد أهم رموز الواقعية الروسية

«السترة الجديدة».. لوحة تداعب عين المشاهد بحميمية التفاصيل

18:35 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحة «السترة الجديدة»
لوحة «السترة الجديدة»
فلاديمير ماكوفسكي
فلاديمير ماكوفسكي
الشارقة: عثمان حسن
الفنان الروسي، فلاديمير إيجوروفيتش ماكوفسكي، ولد في موسكو عام 1846، وتوفي في سان بطرسبيرغ في 1920، وهو أحد أهم رموز مجموعة الرسامين المتجولين، أو مجموعة الفنانين الواقعيين الروس الذين شكلوا تعاونية فنية احتجاجاً على القيود الأكاديمية في الفن، ويعتبر بحق أحد أفضل أساتذة وصف المشاهد اليومية، ونقل مزاج الناس البسطاء في أماكن تواجدهم، خاصة في الأرياف، ولوحاته توحي للمشاهد بأنه مشارك فعلي في الأحداث التي تنقلها تلك الأعمال.
تجمع أعمال فلاديمير ماكوفسكي بين التجويد والفكاهة الساخرة والاهتمام بالحياة اليومية، أما أعماله المبكرة فتميزت بإبراز التفاصيل الدقيقة، ولاحقا أصبحت طريقته في الرسم أكثر حرية ووجدانية وتعبيرية، ومن اللوحات التي تعبر عن هذه التجربة «السترة الأولى» وهي بحسب النقاد من أفضل أعماله، وقد أتمها ماكوفسكي في عام 1892.
  • الدراسة
درس فلاديمير في مدرسة موسكو للرسم والنحت والعمارة خلال الفترة من 1861 إلى 1866، ثم واصل دراسته في الأكاديمية الإمبراطورية للفنون في سانت بطرسبرغ، في 1867، وفي ذات العام أنجز رسومات توضيحية لمؤلفات الشاعر الروسي الكبير ألكسندر بوشكين.
وفي 1871 عرضت أعماله في أول معرض لجمعية الفنانين الجوالين، وفي مطلع سبعينات القرن التاسع عشر، أسس ورشة الطباعة الحجرية الخاصة به. وعمل كثيراً في فن الجرافيك للكتب والأعمال المصورة لتورجينيف وغوغول وليرمونتوف. وفي عام 1872، رسم سلسلة من اللوحات (زيت على الكرتون) بأمر من جمعية العلوم الطبيعية والأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا.
وبدءاً من 1880، أصبح ماكوفسكي يشارك في معارض جمعية موسكو لمحبي الفن، وفي 1882، تم تعيينه محاضراً في مدرسة موسكو للرسم والنحت والعمارة، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1894، عندما تمت ترقيته إلى منصب في أكاديمية الفنون، ليصبح بعد عامين رئيساً للأكاديمية.
وفي أواخر تسعينات القرن التاسع عشر وحتى عام 1910، شارك ماكوفسكي في الأنشطة العامة، فقد كان عضواً في المجلس المسؤول عن دورات تدريب المعلمين في الأكاديمية الإمبراطورية للفنون، وفي عام 1902، أقام معرضه الشخصي الأول في سان بطرسبرغ، ومنذ عام 1905، شغل ماكوفسكي منصب مستشار دولة نشط.
وبعد ثورة أكتوبر 1917، ساعد ماكوفسكي في نقل التقاليد الواقعية إلى المراحل الأولى من الواقعية الاشتراكية.
وتم تنظيم معرض استعادي لأعمال ماكوفسكي في عام 1947 في البيت المركزي لعمال الفن في موسكو. وفي عام 1997، أقيم معرض «عائلة ماكوفسكي» في معرض تريتياكوف.
في عام 1869، بدأ ماكوفسكي مرة أخرى في رسم الأطفال، وأصبح هذا الموضوع رئيسياً في أعماله في سبعينات القرن التاسع عشر. وكانت لوحة «لعب الجدات مع صورة الأطفال الفلاحين» هي الأولى التي اشتراها بافل تريتياكوف، وهو رجل أعمال روسي وأحد رعاة الفن، ولاحقاً أصبح ماكوفسكي يرسم لوحات ذات موضوعات ساخرة حول التجار الصغار والمسؤولين. وفي عام 1870، رسم لوحة «في غرفة انتظار الطبيب»، وهي اللوحة التي استرعت الناقد فلاديمير ستاسوف، فكتب: «فلاديمير ماكوفسكي هو واحد من هؤلاء الفنانين الذين حققوا أمام عيني، أعظم تقدم في وقت قصير، أما لوحة (غرفة استقبال الطبيب) فهي واحدة من أروع صور المدرسة الروسية الحديثة».
  • أصالة
في عام 1837 رسم فلاديمير ماكوفسكي لوحة «عشاق غناء العندليب» فأهّلته للحصول على أول لقب أكاديمي في الرسم، كما منحته جمعية تشجيع الفنون جائزة نقدية، وفي العام نفسه، عرضت لوحات ماكوفسكي في الخارج لأول مرة. وقد عرض لوحات «عشاق العندليب للغناء» و«في غرفة انتظار الطبيب» في المعرض العالمي للفنون في فيينا، وكتبت الصحافة الأجنبية حينذاك، عن «عفوية الحبكة في أعمال ماكوفسكي الروسية، التي تميزت بالأصالة والاحترافية».
وفي لوحة «السترة الجديدة» يبدو كل تفصيل فيها، من ديكور الغرفة إلى ملابس الشخصيات، مصنوع بدقة واجتهاد وحرفية واضحة..
ويرى المشاهد غرفة لعائلة مرفهة في ذلك الوقت. جمعت خمسة أشخاص من العائلة نفسها، والشخصية الرئيسية في الصورة هي لشاب يرتدي سترة سوداء جديدة مع قميص أبيض، ومن الواضح أنه غير متيقن من مظهره، ولديه رغبة في معرفة آراء الآخرين بشأن زيه الجديد، ويبدو الشاب في لباسه أنيقاً وجميلاً، مع حركة فيها قليل من الانحناء، ربما بسبب حقيقة أنه لم يكن معتاداً على ارتداء هذا الزي الجديد.
اجتمعت أربع نساء في الغرفة، ينظرن بإعجاب نحو الشاب، بعضهن من كبار السن، ولسبب ما يفرد الشاب مرفقيه على الجانبين، في إشارة إلى حرصه على سماع رأي أقاربه حول بدلته الجديدة.
بجانب الشخصية الرئيسية في الصورة، تظهر جدة الشاب، التي ترفع نظارتها الطبية، وتقوم بمظهر الخبير بتفحص النسيج الرقيق للسترة، ويبدو من هيئتها أنها تقدر الجودة التي صنعت منها هذه السترة.
وعلى اليسار تظهر شابة تنظر بعاطفة واضحة نحو الشاب، نظرتها تدل على الرفق والفرح، ومن الواضح أنها تنظر بإعجاب لسترة الشاب الوسيم، حتى الخادمة الشابة في أقصى ركن في الغرفة على يسار الشاب، تحاول عدم فضح عواطفها تجاه الشاب، حيث غطت وجهها بيدها.
  • تفاصيل
من يدقق في ملامح الشاب يلحظ أن نظره يتوجه إلى امرأة ترتدي ثوبا أسود، على الأرجح أنها والدته، ورأيها سوف يكون مهماً بالنسبة إليه، لكننا لا نلمح على وجهها سمات البهجة، ما نلحظه هو نوع من التفكير المجهد، ما يفتح أسئلة حول أوضاعه النفسية.
بعناية فائقة، وباستثمار حتى أدق التفاصيل، صور ماكوفسكي الغرفة التي يجري فيها الحدث، هي من دون شك غرفة نموذجية لمنزل نبيل في ذلك الوقت، تدل على ذلك خزانة الملابس الكبيرة، والمكتب المتين «عثماني الصنع» وهناك أيضاً العديد من اللوحات المعلقة على الجدران، ويبدو أن الشاب من محبي الفن، أو أنه، على الأقل، من الذين يقدّرون الموضة والأناقة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nu8mh7m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"