القلب المحتل

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

عندما نقرأ مفردة «الاحتلال» في عنوان أو مانشيت، فإن أول ما يخطر في الأذهان هو الاحتلال الأجنبي لبلد آخر. بالنسبة لنا، نحن العرب، قد لا نحتاج إلى إضافة أي وصف آخر على هذه المفردة، لأننا، وبصورة تلقائية، نكون قد عنينا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لكن يمكن أن نتحدث عن الاحتلال الأمريكي للعراق، أو عن احتلال المستعمرين الأوروبيين، كالبرتغاليين والإنجليز والفرنسيين، في مراحل سابقة لبعض بلداننا.
الكاتبة الروائية الفرنسية آني إرنو ستفاجئنا في روايتها «الاحتلال» بأنها تقصد بالمفردة احتلال امرأة أخرى لقلب الرجل الذي تحبّه بطلة الرواية، بل إنه كان شريكها، قبل أن تظهر هذه المرأة، وتخطف قلبه منها. إنه احتلال أيضاً، ولكن من طراز آخر، دعونا نسميه ب «العاطفي»، حيث تطوف بنا الكاتبة في العالم المحتدم بمشاعر الغيرة والفقد الموجع الذي عاشته البطلة التي نشأ عندها فضول لم تستطع مقاومته أو الهرب منه لمعرفة من تكون هذه المرأة التي «احتلت» قلب شريكها، كون الشريك رفض الإفصاح عن اسمها وهويتها، وتحت إلحاحات متكررة من الشريكة، أو زلّات ترد على لسانه أحياناً، تحاول الإمساك ببعض المؤشرات التي قد تقودها إلى معرفة هوية المرأة المحتلة، فنجد أنفسنا، نحن معشر القراء، أصبحنا مثل بطلة الرواية، وقد انتابنا الفضول ذاته، ونحن نتتبع ما تحكيه الكاتبة عن مساعي البطلة واحتدام المشاعر المتناقضة داخلها.
لا تنتهي الرواية، كما يتوقع القارئ، بوصول البطلة إلى معرفة غريمتها، بل لعل هذا الفضول الذي أرهقها تضاءل مع الوقت، وهذا النزوع نحو تجنب النهايات الصادمة أو التي ترضي الشغف لمسته في ما قرأته من روايات للكاتبة نفسها، ورغم ذلك لا نشعر، كقراء، أن هناك نقصاً أو خللاً في بنية هذه الروايات، التي قد يعتبرها البعض غير مكتملة، ولكنها، في الحقيقة، ليست كذلك، فلربما يكفي الكاتب أن يشعل الفضول لدى قارئه، ويدخله في أجواء الترقب، دون أن يعده بمفاجأة أو بنهاية شبيهة بتلك النهايات الني نعرفها في الأفلام الهندية والعربية.
لا تبدو آني إرنو معنيّة بكتابة الروايات الطويلة. كل ما قرأته لها شخصياً كروايتي «امرأة» و«الشاب»، يندرج في خانة «النوفيلا» المكثفة، لكن العذبة والجميلة، وكما يشير مترجم «الاحتلال» إلى العربية، إسكندر حبش، في تقديمه لترجمته الصادرة عن «دار الجمل»، فإن مشروع إرنو قائم على تقديم «جزء من حياة، حدث عابر، أو بالأحرى تفصيل عادي من تفاصيل الحياة»، موحية للقارئ أنها تتحدث عن يوميات عاشتها، ولكنها تبرع في أن تجعل من ذلك أدباً شائقاً وعميقاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cpzntns

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"