ألمانيا.. وضريبة أوكرانيا

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

يصرّ المستشار الألماني، أولاف شولتس، على المضي قدماً في تبنّي خيارات المواجهة الشاملة مع روسيا، حتى وإن أدى الأمر إلى ذبح بلاده اقتصادياً. وهو ما يحدث فعلاً، ذلك أن البيانات الحكومية تشير إلى حالة انكماش وركود لأكبر اقتصاد أوروبي.

 والسمة الأساسيّة التي يتفق عليها خبراء الاقتصاد الدوليون هي أن الاقتصاد الألماني قد فقد الكثير من مقومات قوته، وهذا ما أدى به إلى حالة من الانكماش، ثمّ الركود، كما نرى الآن من خلال البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الألمانية.

 وبحسب هذه البيانات، فإن أن أكبر اقتصاد في أوروبا سجل انكماشاً تقنياً في الربع الأول من عام 2023، إذ انخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 0.3 في المئة بين يناير/ كانون الثاني، ومارس/آذار 2023، بعد تراجعه أيضاً بنسبة 0.5 في المئة بين أكتوبر/ تشرين الأول، وديسمبر/ كانون الأول 2022، لتدخل ألمانيا وفقاً لذلك في انكماش تقني، وهذه سابقة منذ الجائحة التي تسببت في تراجع إجمالي الناتج المحلي في الربعين الأول والثاني من 2020. ويتفق الخبراء على أنّ ألمانيا التي كانت تقود قاطرة الاقتصاد الأوروبي وتحقق نسب نمو مهمّة، تلقت ضربات متتالية أدت بها إلى الوضع الحالي، وقد بدأت هذه الصعوبات تظهر منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث أبدى الاقتصاد الألماني استجابة إيجابية، واستطاع الخروج من المواجهة بأخف الأضرار، لأنّه تحمل عبئاً من مصاعب الاقتصادات الأوروبية، غير أن جائحة كورونا وجهت له ضربة ثانية قوية، مثل كل الاقتصادات العالمية، ثم جاءت حرب أوكرانيا التي انخرطت فيها ألمانيا بقيادة شولتس بكل قوة، لتجهز على ما تبقى من مكامن القوة الاقتصادية، بعد أن قرر الأوروبيون فرض حظر على موارد الطاقة الروسية، وكان من الطبيعي أن تتلقى ألمانيا الضربة الأقوى نتيجة الحظر باعتبارها من أكبر المستوردين للطاقة الروسية في أوروبا بنحو 40 في المئة من احتياجاتها الخاصة. وبالرغم من أن الحكومة الألمانية قامت بتخصيص 200 مليار يورو إضافية في موازنة عام 2023، للحد من تأثيرات ارتفاع أسعار الطاقة في الإنتاج والتحكم في التضخم، إلاّ أن مسار التضخم لم يتوقف، وبات المواطنون يعانون تراجع قدرتهم الشرائية ما أدى إلى تباطؤ محركات الاقتصاد الداخلي. وحتى ترفيع البنك المركزي الأوروبي، في معدل الفائدة 7 مرات منذ العام الماضي، بهدف السيطرة على التضخم ليصل إلى مستوى 3.75 في المئة، ليتباطأ التضخم في دول منطقة اليورو بشكل حاد من قراءات في خانة العشرات في أواخر العام الماضي، لم يعط أكله في الساحة الألمانية، حيث أظهرت بيانات مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي «يوروستات»، أن التضخم بلغ 7 في المئة، وهو أمر ساهم في رأي المراقبين في تراجع القدرة الشرائية، وفي رفع كلفة الإنتاج، ما حدا بكثير من المؤسسات إلى مغادرة ألمانيا، الأمر الذي انعكس مباشرة على مؤشرات البطالة التي اتخذت منحى تصاعدياً منذ بداية حرب أوكرانيا. 

ويفسر المحللون هذه الحالة المرضية للاقتصاد الألماني بما يسمونه ضريبة حرب أوكرانيا، فمعلوم أن روسيا كانت تمد ألمانيا وأوروبا بخطوط إمداد الطاقة الحاملة عبر «نورد ستريم 1 و2»، وقام الغرب بتدميره مباشرة بعد اندلاع الحرب. وهنا علينا الإشارة إلى أنّ الألمان، ورغم عدم انسياقهم في أول الأمر لقرارات حظر موارد الطاقة الروسية، إلاّ ان التبعية القاتلة للولايات المتحدة أدت إلى رضوخهم وقبول فرض حظر، فكانوا هم أول من يتأذى منه. وواقع الحال يقول إنّ ألمانيا تعدّ أكثر الدول الأوروبية تأثراً بأزمة الطاقة، وباعتبارها واحدة من أهم الدول الصناعية في العالم، فإن الصناعة الألمانية اليوم تواجه أسوأ أزماتها خلال سنوات طويلة. والخطر الأكبر بالنسبة لألمانيا هو استمرار الحرب الأوكرانية لفترة أطول، واستمرار خضوعها لرغبات واشنطن بتأبيد الأزمات مع روسيا، ذلك أنّ هذا الاستمرار سيقود الدولة الأوروبية الأقوى إلى مزيد من الأزمات، والاضطرابات الاجتماعية التي لن تقدر الحكومة على صدها، وقد رأينا حدة المواجهات في دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا. والثابت أن شولتس، ومهما كانت تبعيته لواشنطن، فإنّ واقع الألمان قد يعصف بمستقبله السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wrevazs

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"