عادي

النّصح في السّر والعلن

23:49 مساء
قراءة دقيقتين
1
مايا الهواري

د. مايا الهواري

النّصيحة هي الدّعوة لما فيه صلاح الإنسان والابتعاد والنّهي عمّا يفسده، ولكي تكون النّصيحة ذات صدىً في قلب وعقل المنصوح لا بدّ أن تكون سرّاً وخفاءً بين النّاصح والمنصوح، لا أن تكون على العلن وبين عامّة النّاس، حتّى لا تتحوّل النّصيحة إلى توبيخ، فالمؤمن الحقّ يبتغي من توجيه الكلام للآخر تعديل مساره وأفعاله نحو الطّريق الصّحيح، وأن يضع في اعتباره أنّه قد لاقى نُصحه إقبالاً أو لا، وفي حال لم يلقَ إقبالاً لا يجب أن ينزعج؛ بل أن يستمرّ بالنّصح سرّاً إن أمكنه.

يُقال من نصح أخاه على رؤوس الملأ فقد عيّره، لأنّ النّصح إن اقترن بالإعلان عنه سمّي تعييراً، والتّعيير تصرّف مذموم منذ القِدم، لأنّ النّاصح يكون هدفه إشاعة عيوب من ينصح وإنّما هدفه إزالة المفسدة بأسلوب راقٍ في تقديم النّصيحة للآخرين، لأنّ الأسلوب أهمّ من النّصيحة نفسها.

يقول الإمام الشّافعيّ:

تعمّدني بنصحك في انفرادي وجنّبني النّصيحة في الجماعة

فإنّ النّصح بين النّاس نوع من التّوبيخ لا أرضى استماعه

وللنّصح أهمّيّة كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، والنّبيّ الكريم قال: (الدّين النّصيحة ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين عامّتهم)، ممّا يدلّ على أنّ عماد هذا الدّين هي النّصيحة، أمّا ما نراه اليوم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ من نصح الأصدقاء لبعضهم في التّعليقات (الكومنتات) أو يخصّصون منشوراً بعينه، فهنا بدل أن تكون نصيحة أصبحت فضيحة للأسف، ويبدأ الحقد والكره يتسلّل للقلوب لتنتهي العلاقة بينهم، وهنا كان لا بدّ من توافر عدّة شروط للنّصيحة، من الإخلاص لله تعالى بعيداً عن النّوايا السّيّئة وأن يرافقها الرّفق والحُلم عند إلقاء كلمات النّصيحة على مسامع الآخرين، بعيداً عن الكلام البذيء الفاحش، وأن يكون النّصح بطريقة متّزنة لا انفعاليّة حتّى تلقى قبولاً في نفس المتلقّي، وغير ذلك تتحوّل النّصيحة نفاقاً، قال الإمام الشّافعيّ: (من وعظ أخاه سرّاً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه).

لذلك من أراد النّصح كان ناصحاً أميناً خفاءً بهدف الوصول إلى نتيجة جيّدة، حتى تتعدّل سلوكيّات المنصوح، فكن ناصحاً أميناً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwhj39f9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"