عادي
ويليام ماونت رسام الحياة اليومية الأمريكية

«صفقة الحصان».. حبكة مسرحية في لوحة

18:23 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: عثمان
الفنان الأمريكي ويليام سيدني ماونت (1807- 1868) هو رسام الحياة اليومية للناس العاديين في القرن التاسع عشر. ولد في «سيتوكيت» بنيويورك، وقضى معظم حياته في مسقط رأسه والقرية المجاورة «ستوني بروك»؛ حيث رسم صوراً ومناظر طبيعية ومشاهد مستوحاة من الحياة اليومية من 1820 وحتى وفاته. خلال تلك الفترة حقق شهرة في الولايات المتحدة وأوروبا كرسام أرخ الحياة الريفية. كان أول فنان أمريكي متخصص في هذا المجال، وفضلًا عن كونه رساماً مبدعاً فقد كان شغوفاً بالموسيقى، وعازف كمان وملحناً وجامع أغانٍ، وله ألحان فنية حصلت على براءة اختراع، وأطلق عليها اسم «مهد التناغم». تضمّ العديد من لوحاته موسيقيين ومجموعات من الأشخاص الذين يمارسون الرقص في المناطق الريفية.
تدرب سيدني كرسام لافتات في عام 1825 لأخيه هنري ماونت (1802-1841)، في مدينة نيويورك، ولكن في العام التالي، أصيب بالإحباط بسبب القيود التي فرضت على رسم اللافتات، فالتحق بفصول الرسم في الأكاديمية الوطنية المنشأة حديثاً، وكان يتطلع إلى أن يكون رساماً للموضوعات التاريخية. كانت أولى محاولاته في الرسم هي البورتريهات، بعد ذلك قام برسم بعض المشاهد التاريخية.
في عام 1827 عاد ليعيش في «لونغ آيلاند» بنيويورك، ومن ذلك الحين كان يتناوب بين المدينة والريف. بدأ من «لونغ أيلاند» التي شكلت أكثر موضوعاته حيوية، تلك الموضوعات التي استوحاها من شعبية النقوش التي قدّمها الرسام الاسكتلندي ديفيد ويلكي، كانت لوحاته متجذرة في طرح رؤية نقدية ذاتية لأكثر المواقف والأحداث شيوعاً في زمنه، ما منحها شعبية كبيرة جعلت رعاة الفن في نيويورك يقبلون عليها بكثافة، وكان هذا الرسام مفضلاً عند نقاد الصحف والمجلات، وكان شديد الوعي بالذات بشأن طرق الرسم، وقد احتفظ بمجلات سجل فيها تجاربه مع الأصباغ والفراشي، كما رسم اسكتشات فنية عديدة في دفتر مذكراته سجل من خلالها ملاحظاته الفنية في الهواء الطلق، وكان أن اخترع عربة استوديو سافر بداخلها.
لم يكن حب سيدني ماونت للموسيقى والرقص ممثلاً في لوحاته فحسب، بل كان واضحاً كذلك في انشغالاته الأخرى. فهو نشأ في عائلة من الأفراد الموهوبين موسيقياً، وقد قدّم سيدني ماونت عروضاً شاركها مع العائلة والأصدقاء الذين يميلون إلى الموسيقى، بعضها كان من تأليف بيتهوفن، وموزارت، وروسيني، وشوبير، ومندلسون.
من اللوحات الشهيرة لسيدني ماونت واحدة بعنوان «صفقة الحصان» التي أبرزت موهبته الفنية، وكانت نموذجاً يعبر عن التغييرات الديناميكية في الولايات المتحدة في مطلع القرن التاسع عشر.
-----------------
*نقاش
-----------------
في «صفقة الحصان» نرى مزارعَين، يرتديان ملابس جيدة، ويبدو أنهما ثريان ناجحان، يناقشان سعر حصان كستنائي يأمل الرجل بالصدرية الحمراء أن يبيعه للرجل الذي يرتدي اللون الأصفر، الذي بدوره يرتدي قبعة بالية من قمتها، ما يشير إلى أنه ربما يكون زائراً للمزرعة. يناقش كلا الرجلين سعر الحصان أثناء قيامهما «بقطع» أو نحت أعواد خشبية بسكاكين الجيب (هواية شعبية للرجال من جميع الأعمار في حينه). يقف الحصان على اليسار مقيداً بباب الحظيرة؛ حيث تمتد الظلال إلى الحظيرة من جهة اليمين. يخلق رسم ضوء الشمس الذي يخترق الرجلين والفرس مساحة أشبه بمسرحية كوميديه تتكشف للتوّ، في إشارة إلى الرجل القصير بالنسبة للحصان، ولكن هذه هي طبيعة الكوميديا والرغبة في تشويق الجمهور، وتنبثق روح الدعابة كذلك في المشهد من حقيقة أن الرجلين يتفاوضان مع بعضهما، بينما يكشطان العصي الخشبية، وربما بهذا التصرف يخفون بمهارة السلطة الذكورية أو العدوانية في ستار هواية الطفولة الشعبية.
على الرغم من أن الحظيرة ومحيطها (لاحظ الميل الزاوي للمذراة على اليمين) يؤطران الرجلين «الممثلين»، فإن ماونت يهتم بتأصيل المشهد في الريف. امرأة تراقب تجارة الأحصنة من خلفية بعيدة، تقف خلف سياج منفصل تحت عدة أشجار ضخمة، من ناحية ما ربما تكون السيدة بمثابة بديل لنا نحن مشاهدي اللوحة. لقد فهم ماونت دائماً أنه مثل الكاتب المسرحي، كان ينظم شيئاً للجمهور، ويضع الشخصية على مسافة، هي بمثابة إيماءة ماكرة لوعيه الفني.
-----------------
*خلفية
-----------------
في القرن التاسع عشر، كان مصطلح «تجارة الخيول» في كثير من الأحيان مصطلحاً متداولاً للصفقات السياسية في الغرف الخلفية. في الفترة ما بين 1812 والحرب الأهلية، أدت التغييرات الديناميكية في الولايات المتحدة كالنمو السكاني الحضري، والتوسع في السكك الحديدية والصناعات، والامتداد غرباً قد تحول إلى قوة حازمة أدت إلى صقل الشخصية الأمريكية، ذلك يعود من بعض النواحي إلى رئاسة أندرو جاكسون، والروح التي مثلتها سياسته في تجاوز الحدود، ويظهر لنا الفنان ويليام سيدني ماونت لمحة فقط عن هذا النوع من الشخصية من خلال عدسة فنية عن مدينة نيويورك الريفية.
إن سعة الحيلة التي يتمتع بها اليانكي، سواء التاجر أو المزارع، الذي تم تصويره في لوحات ماونت مثل (السحب على الأوزة) 1837، والصور المماثلة الأخرى، هي انعكاس للدافع الريادي والطاقة المنبعثة من الأمريكيين في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر. في كتابها (رسم النوع الأمريكي.. سياسة الحياة اليومية)، تصف مؤرخة الفن إليزابيث جونز شخصية نراها غالباً في لوحات ماونت - التاجر والمزارع في لونغ آيلاند كشخصية رمزية للمشروع الأمريكي. مع نمو التحضر عبر البلدات الزراعية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وظهور الهجرة إلى الولايات المتحدة من بلدان في غرب ووسط أوروبا، أصبحت هذه الشخصية - غالباً ما تكون كاريكاتورية في المسرحيات الهزلية. عندما أصبحت الولايات المتحدة أكثر تنوعاً وتعدداً ثقافياً سعى سكانها إلى إعادة تعريف جوانب الشخصية الوطنية. فمع انتصار الديمقراطيين في سياستهم الوطنية عام 1828 وتوسع الاقتصاد في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، برز حماس ملحوظ لإبراز الشخصية الفردية، وهو اعتراف رسمي على الأقل بأهمية الفرد العادي في المجتمع الأمريكي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckzhf3j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"