في حضرة كتاب

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

العودة الى أروقة معارض الكتب، منعشة، تدغدغ حواس الإبداع وتؤجّج براعم الإحساس، وتروي الروح بنفحات انتعاش، قد لا نبتاع كل ما تقع عليه أعيننا، لكن البهجة التي تنتقل من عناوين الكتب إلى دواخلنا كفيلة بأن تجعل النفس هادئة، وكأن حبيباً للتوّ تغزل بفتاة مرت عليه كنفحة عطر باسم. في كل مرة أزور فيها معرضاً للكتاب، أينما كان، يعجبني مشهد القراء الحقيقيين الذين يطالعون الكتب بشغف، يبحثون بين الصفحات ولا يكتفون بالعناوين والأغلفة البرّاقة. يعجبني من يمدّ الخطى للباعة الذين يجلسون بعيداً عن تلكم الدور الكبيرة المبهرجة، أولئك الذين انزووا في بعض الأماكن، ولربما أواخر المعارض وارتأوا أن يقرأوا أكثر، بينما يأتيهم طالب للقرب، ليهدي مهر الكتاب ثمناً.
بين الحلم والخيال، التاريخ والأسطورة، بين الكاتب ومدعي القلم، بين النجوم وأشباهها، بين الصدق والزيف، بين السؤال والمجاملة، بين الجاد والمهدر وقته سدى، بين الفن والدخلاء، بين الحب والتعاسة، بين الشيء ونقيضه، أنت من يختار. ففي كل مكان تبقى الجواهر مخبّأة تبحث عنك وتقترب منك متى نويت أن تسوق نفسك إليها طالباً للعلم، لا تهمّ الكثرة والوفرة فالحياة في الندرة. 
في كل معرض كتاب أجد كل ما سردت، وأجد البشر يختلفون في تسويق بضاعتهم، ولا يختلف معي اثنان أن الثمين له قيمته ووزنه وإن غاب صاحبه، كنت أقول دوماً لعل النشر سهل، لكن تسجيل اسمنا نحن الكتاب في عالم يعجّ بالأسماء ليس سهلاً، بل مهمة شاقة شاءت أن تتعب المهتمين والمقبلين على عالم الفهم والإدراك، عالم الحب للحرف وصيغة الإبداع المنبعث من قلب وروح إلى الأوراق، ليهدى إلى قارئ سعى لأن يأتي فتكون بانتظاره كلماتك.
 الكتب جميلة، وما تحتويه هي الأزمان التي لم نعشها، والأزمان التي ستأتي في حاضرنا ومستقبلنا، الكتب هي العالم الذي لن تملّ منه، لن يخذلك، ولن يخدعك إن صدقت في الاختيار، هي الرفقة الصالحة، وإن صرت في ندرة من الصديق والحبيب.
في كل زمن ستأتي الأفواج وترحل، وسيبقى ذو الفكر والعلم في قمه الهرم، إلى كل المتعبين في عالم الكلمة، أتراكم اكتفيتم؟ أم أننا لا نزال على كل موعد نقول هل من مزيد؟ التقيت الكثير في «معرض أبوظبي الدولي للكتاب» الذي رحل منذ أسبوعين استعداداً للعام القادم، عاد بحلّة مختلفة عن العام الماضي، انتعش بعد الجائحة، وغاب آخرون افتقدتهم. 
ويبقى السؤال الذي سأوجهه إلى المنظمين، أين غاب كُثر من أبناء البلد في الجداول الطويلة التي اكتظّت بمن أتى من الشرق والغرب؟ العودة جميلة والحب بيننا أكبر، فأتمنّى أن يكون اللقاء مقبلاً سريعاً مع أسماء تستحق أن يعرف بها، وكتب تستحق أن نتحدث عنها، وكل عام.. وكل معارضنا بخير وتألّق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45ud6c9x

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"