عادي
ريموندو مادرازو رسام واقعي إسباني

«ماسون بالمانتيلا».. تجسيد للبرجوازية الباريسية

00:14 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

ريموندو دي مادرازو جاريتا (1840 - 1920) رسام إسباني ولد في روما / إيطاليا وتوفي في فرساي / فرنسا، هو من عائلة عريقة في ممارسة الرسم، تبنى الأسلوب الواقعي على الرغم من أن أعماله الأخيرة تظهر علامات من تأثير الروكوكو والفن الياباني، كان جده خوسيه مادرازو رساماً ومديراً لمتحف ديل برادو. كان والده فيديريكو رساماً أيضاً، وكذلك عمه لويس مادرازو، أما عمه الثاني بيدرو فكان ناقداً فنياً، وكان شقيقه ريكاردو رساماً، وعائلته من أهم سلالات الفن النبيل التي هيمنت حرفياً على الرسم في القرن ال 19 في إسبانيا.

تلقى دروسه الأولى على يدي والده وجده، ولاحقاً التحق بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في سان فرناندو، ودرس مع كارلوس دي ريبيرا وكارلوس دي هايس. استقر في مدريد وأكمل تعليمه بزيارة باريس عام 1860 وتلقي الدروس على يدي ليون كونييه، كما وقع تحت تأثير صديقه ألفريد ستيفنز.

أقام معرضه الأول في 1860، وغالباً ما كان يزور نيويورك لبيع لوحاته، ومن بين عملائه أسرة فاندربيلت، وهي عائلة أمريكية من أصل هولندي لعبت دوراً بارزاً في تلك الفترة، في عام 1882 أسس هو وستيفنز وجوزيبي دي نيتيس وجورج بيتي معرض الرسم الدولي للترويج للفنانين الأجانب الذين يعيشون في باريس.

كان مادرازو يعرض بشكل متكرر في صالون باريس، وفاز بميدالية كبرى في المعرض العالمي (1889) وكان مواظباً على العرض في صالون مادلين لومير. كانت ألين ماسون، ابنة البواب في مقر إقامة مركيز كازا ريرا في باريس، نموذجاً لجميع الشخصيات النسائية في لوحات الفنان.

في أواخر ستينات القرن التاسع عشر، أمضى بعض الوقت في روما مع شقيقه، حيث عمل في استوديوهات الإيطالي ماريانو فورتوني، الذي كان قد تزوج من أختهما سيسيليا. وخلال الحرب الفرنسية البروسية عاش مادرازو في غرناطة.

من اللوحات الشهيرة لمادرازو واحدة بعنوان ألين ماسون ترتدي المانتيلا (1875) وألين ماسون هي الموديل الأبرز للرسام الإسباني مادرازو، فقد ظهرت في بورتريهات عديدة له، خاصة خلال استقراره في العاصمة الفرنسية باريس.

في عام 1894، تبرع بمجموعة من أعمال فرانشيسكو دي جويا حصل عليها عام 1869 لمتحف ديل برادو، وفي عام 1914، انتقل إلى فرساي، حيث توفي بعد ست سنوات، كما أصبح ابنه فيديريكو دي مادرازو (المعروف باسم كوكو رساماً بارزاً).اللوحة

تظهر الموديل ألين ماسون في هذه اللوحة مرتدية المانتيلا والمانتيلا، هو الدانتيل أو الليتورجيه كما تلفظ في إسبانيا وفي أمريكا اللاتينية، وهو شال حريري يلبس فوق الرأس والكتفين، وغالباً فوق مشط يسمى بنيتا ومشط بنيتا كبير الحجم يلبس عادة تحت غطاء الرأس، أما زي المانتيلا فهو عبارة عن لباس يحظى بشعبية لدى نساء إسبانيا وأمريكا اللاتينية. ترتديه كذلك بعض النساء الكاثوليكيات، والمانتيلا معروفة في أجزاء مختلفة من العالم، كما هو عند نساء مينونايت في الأرجنتين، وغالباً ما يكون هذا الزي باللون الأبيض، مع نهايات متقاطعة على الرقبة وملفوفة على الكتف.

تستريح ألين ماسون برفق على ظهر الأريكة، وهي تشبك يديها على وجهها المبتسم، وتبدو سعيدة وهي تستريح على مقعدها أمام الفنان، بهذا الدانتيل المزهر من الشال الذي يطلق عليه أيضاً (شال مانيلا) باللون الأحمر المزخرف بورود بيضاء تتقاطع مع الأزرق والبني، يظهر خاتم من المرجان في إصبع يدها اليسرى، وقوس من الساتان الأزرق والوردي على شعرها البني. وعلى الرغم من الملابس ومستحضرات التجميل التي تلون ملامحها، إلا أن براءة نظرتها تضلل المشاهد من تلك المراهقة الواضحة على محياها، حيث يلمح المتفرج نوعاً من الخبث الاستفزازي في فمها نصف المفتوح مع دلالات حسية واضحة. هذا النموذج كان بلا شك المفضل لدى الرسام الذي جعله مطابقاً للجمال المثالي الأنثوي لنمط البرجوازية الباريسية، وهو الانطباع المنطقي الذي كان سائداً في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.

أنوثة

كانت ألين ماسون ابنة أحد المسؤولين في منزل الماركيز الثاني في كازا رييرا في باريس، وارتبط مادرازو بصداقة متينة مع ألين التي ظهرت في صور عدة للفنان بالحجم الكامل، وكانت سيدة العرض في أحد صالونات القصر الباريسي وهي ترتدي زياً يلائم زخرفة قصر زوربانو، وهو قصر ريفي يقع بجوار كنيسة القرية، المملوكة أيضاً لعائلة كازا رييرا في مدريد، كانت ماسون تظهر دائماً بصورة مثالية في لوحات مادرازو جعلتها أيقونة في أعماله النوعية، خاصة أن تلك البورتريهات قد كانت تتم بتكليف مادي سخي من أحد رعاة الفن، وبالتالي فهو لم يتردد في إظهارها بصورة مبالغ فيها من الأنوثة وعلى نحو متكرر. بعض النقاد نظروا إلى هذا الشكل الأنثوي بوصفه دراسة استبطانية مرتبطة بالحكايات العاطفية للطبقة البرجوازية في القرن الثامن عشر، فضلاً عن سعي مادرازو لمحاباة الجمهور، ولكونه شخصياً كان يشعر بالاستمتاع في تصوير موديله على هذا النحو، وعلى الطريقة الإسبانية في استعادة واضحة لنساء المايا، حيث يبرز عنايته بتفاصيل القماش الذي يميز تلك الأزياء التقليدية، وهو الرداء الذي كان شائعاً عند الغجريات الإسبانيات وراقصات الفلامنغو، وكان هذا الزي مقبولاً على نطاق واسع عند النساء الفرنسيات، وجدير بالذكر أن هذا النموذج قد انتشر عند كثير من الرسامين الفرنسيين قبل وبعد الإسباني مادرازو.

نقد

في المعرض العالمي في باريس عام 1878قدم مادرازو نحو ستة نماذج من الزي الإسباني، وهو تعبير عن الصورة النمطية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، قدم هذه النماذج بأسلوب إسباني مميز، وهذا التصنيف بحسب كثير من خبراء الفن هو في الحقيقة استحضار لكلاسيكيات دي غويا، أما لوحة ألين ماسون في المانتيلا، فقد كانت بحسب بعض النقاد نموذجاً ساذجاً على الرغم من شهرتها الواسعة، وذلك لأنها تظهر الموديل بصورة حسية أقرب إلى الإغواء، وهذا طبع مجمل الساحة الفنية في الثلث الأخير من القرن ال 19. وانساق مادرازو مع التقنية التي تأسس عليها مشروعه الفني، حيث ترتبط حقيقة الطبيعة الاحتفالية لاستخدام (طرحة المانتيلا البيضاء) مع هذه الروح العرضية والنمطية التي عاشها الرسام، وترسخت كنمط شائع في فن البورتريه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymwd7eny

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"