نحو مدرسة للّغات السّاميّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل آن الأوان لظهور جيل عربي من علماء اللغات السّاميّة، لكي يشقّوا لنا السبل إلى إدراك حقائق تاريخ العربية وعلاقاتها ببقية أفراد العائلة السّاميّة؟ من حقّنا ألاّ نطمئن إلى الأطراف الأخرى. هل يستطيع أحد أن يَعُدّ لنا خمسة فقط، من أربعمئة مليون عربي، لديهم إلمام واسع أكاديمي بالعربية والآرامية والعبرية والحبشية؟ الآرامية في حدّ ذاتها منظومة. من يتحفنا بثلاثة فقط، جزاه الله خيراً.
هذه ضرورة تاريخية قصوى لهذا أراد القلم أن يهدي إلى حضرات اللغويين العرب مقترحاً عسى أن يحظى بأذن صاغية، فلا يمسي ورقة لاغية، أن يؤسس اتحاد مجامع اللغة العربية، أو أحد أركانه، مدرسة عليا للغات السّاميّة. هذه أمور لا تتركها الأمم للأجانب وحدهم، ولا تأتمن عليها حتى الذين تتنسّم فيهم النزاهة، وتتوسّم الأمانة، فكيف لها أن تنام عن ذوي المقاصد والأغراض، وما في النفوس من أمراض؟
المجامع العربية في حاجة إلى العشرات من ذوي التخصصات المتعددة في اللغات السّاميّة. المهمّ هو أن يُصنَعوا على عينها، فتطمئن إلى أنهم تربية يدها. لأن البحث العلمي لا ينبغي أن يغترّ به العاقل فيأخذه على أنه معدن الصفاء والنقاء، فيقع في الصورة الكاريكاتورية التي رسمها المتنبي لمن يتّقي عِضاض الأفاعي فينام فوق العقارب.
دع جانباً البلاغة وسحر البيان والتقنيات الأسلوبية والجماليات، التي وردت في نصوص اللغات السّاميّة، فالعربية لها تميز وتمايز بين أخواتها، في بناء المفردات. ثمّة تشابهات ولا شك، ولكن الفوارق أكثر. في أيّ لغة ساميّة تجد نظيراً لهذه التوافقات الموسيقية: خضم، قضم، هضم، رضم، وضم؟ بصرف النظر عن الشعر والنثر، المفردات في حدّ ذاتها موسيقى: حطم، رطم، فطم، خطم، قطم، لطم، سطم. 
يريد الجهلة المفترون، في وسائط التواصل، أن تنطلي علينا أباطيل أن العربية نشأت أو تطورت في العصر العباسي. لمثل هذه الفتن التي تستهدف العُزّل من أسلحة العلوم والمعارف، نحتاج إلى جيل من علماء اللغات المقارنة. تلك النماذج الموسيقية لها آلاف الأشكال. كل فعل ثلاثي له بتعبير أبي العلاء، ستّ قلبات. أضف إليها الاكتشاف الرائع الذي وشّح به ابن جنّي صدر لغتنا، وهو الاشتقاق الأكبر، أي اشتراك قلَبات الجذر الثلاثي أحياناً في معنى كلي، مثل: كلم، كمل، لمك، لكم، مكل، ملك، التي تشترك في الشدة والقوة، أو: بحر، برح، حبر، حرب، ربح، رحب، في الاتساع. في أيّ لغة ساميّة نرى مثل هذا التوزيع الأوركسترالي اللغوي؟ هذه هي موسيقى المادّة اللغوية الخام، خارج نطاق زخارف الشعر والنثر.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحصينية: العربية تستحق جيلاً من علماء اللغات المقارنة. المجامع هي الأجدر بهذه الأمانة.
[email protected]

https://tinyurl.com/5n6n2xbj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"