الأميّات الثلاث

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

عدّد الكاتب المصري الراحل محمد مندور ثلاثة أنواع من الأمية، تعاني منها مجتمعاتنا العربية، أوّلها الأمية الأبجدية، وثانيها الأمية العقلية، أما أخيرها فهو أمية المتعلمين، ملاحظاً أن الأولى، أي الأمية الأبجدية، أهونها، أما الأمية العقلية فمحوها أشقّ وأبعد مدى، وإن كان بوسع حكومة حازمة أن تكافحهما أنجع الكفاح، عبر وضع الخطط والاستراتيجيات الضرورية لذلك، أما أميّة المتعلمين فهي، على قول مندور، «ما يحيّر اللب»، ولها من المظاهر أيضاً ثلاثة: أولها الانتهاء من التعليم الدراسي بفائدة ضئيلة، وثانيها عدم تنمية كل صاحب فن لمعلوماته الفنية بعد التخرج، وأخيراً ضعف الثقافة العامة عند معظم المتعلمين، بل وإهمالها في الكثير من الحالات إهمالاً تاماً.
في شرح المظهر الأخير، قال مندور ما مفاده إنه ما أكثر ما نصادف في أوروبا أطباء أو محامين، حين يحدثونك عن نجاحهم لا يتوقفون عند معلوماتهم الفنية فحسب، بل لا بد من أن ينهض الواحد منهم على فهم صحيح لنفسية المريض أو الخصم أو القاضي، وسبيلهم إلى ذلك هو مواصلة القراءة في ميادين البحث الإنساني، ثم «هب أن الثقافة العامة لن تجدي في الحياة العامة، أليست هي المنبع الأول لمتع الحياة؟ أليست هي دليل التحضر وارتفاع الإنسان عن مستوى الحيوان الأعجم؟».
ما أتى عليه محمد مندور يحملنا على تأمل أحوال المتعلمين من حولنا، في تخصصاتهم المختلفة، فكم نسبة من يواصلون تطوير وإثراء معارفهم، ولا يكتفون بحدود ما تعلموه فترة دراستهم وتخصصهم الجامعي، خاصة أن العلوم، كلها وبدون استثناء، لا تقف عند حد يبلغه المرء فيقول: لقد عرفت واكتفيت، فالعلم يحمل كل يوم شيئاً جديداً ومعرفة إضافية، ويفند قناعات سيقال عنها: سادت ثم بادت، لأنها لم تصمد أمام تطورات العلم، ولم تزكها تجارب الحياة نفسها، سواء كان الأمر في العلوم الاجتماعية والإنسانية كعلوم التاريخ والاجتماع والاقتصاد والفلسفة وغيرها، أو في العلوم الطبيعية في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والطب وغيرها.
لا يمكن للمتعلم أن يتغلب على أميته ما لم يواصل القراءة والاطلاع على الجديد والإبحار في فضاءات المعرفة على أنواعها، بخاصة تلك التي على صلة بمجال اختصاصه، لذلك ينقل مندور عن أحد المفكرين الأجانب قوله إن المكتبات العامة، على أهميتها، لا تفي بالحاجة، وإنما يلزم المتعلم، مهما كان وضعه المادي، مكتبة صغيرة هي بمثابة الكنز الذي يعتز به، «لا لأن الكتاب هو أخصّ زينات المنزل، وإنما لأنه يجد فيه ما يركن إليه في ساعة ظلام أو شك أو فراغ نفسي».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvt87hjt

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"