عادي

تعرف إلى علم اجتماع الأدب

21:17 مساء
قراءة 3 دقائق
تعرف إلى علم اجتماع الأدب

القاهرة: «الخليج»

يستطيع المتابع لحركة النقد الأدبي المعاصر في أوروبا أن يكتشف انهيار مجموعة من القيم، التي قامت عليها المناهج النقدية، التي أعلت من شأنها الثقافة الأوروبية المعاصرة، سواء كانت الشكلية أم النقد الجديد أم البنيوية أم السيميوطيقا، هذه القيم التي عمادها الإيمان بالنص الأدبي كبنية لغوية مغلقة، يجب على الدارس أو الناقد الوصول إليها كحقيقة موضوعية مطلقة، قائمة بذاتها، منعزلة عن مبدعها أو سياقها الخارجي أو متلقيها.

في المقابل نجد تراجعاً يكاد يصل إلى العداء لتلك القيم القديمة في إطار مجموعة من النظريات مثل التفكيكية أو الهرمينوطيقا، وهي نظريات تصل صراحة أو ضمناً إلى إلغاء هيمنة النص، أو حتى وجوده كحقيقة موضوعية قائمة، وتعطي الأولوية إلى بذوره المتفرقة في الثقافات الممتدة، أو إلى القارئ أو القراء المتعددين، أو إلى التأويلات المختلفة التي تنفي أن يكون هناك أي معنى حقيقي في داخل النص، وإنما هو في داخل المؤول أو القارئ.

يشير بيير زيما في كتابه «النقد الاجتماعي.. نحو علم اجتماع للنص الأدبي» ترجمة عايدة لطفي، إلى أنه في الوقت الذي يقدم فيه بعض أصحاب هذه النظريات أطروحتهم، باعتبارها ما بعد بنيوية، ونقيضاً لها، فإن المؤكد أن هذه النظريات ليست إلا وليداً للفكر الذي أنبت البنيوية، وأن هذه الأخيرة كامنة وممتدة في كثير من أصولها ومفاهيمها، في داخل هذه النظريات الجديدة.

هنا تكمن أهمية هذا الكتاب الذي يتابع التطورات الأخيرة في ميدان النقد الأدبي، ويقدم بشأنها معرفة تفصيلية أحياناً، وموجزة في أحيان أخرى، لكنها عميقة على كل حال، الأهم من ذلك أنه يتابع ويقدم هذه التطورات، لا من منظور سلبي، وإنما أساساً من منظور نقدي، إذ إنه يمتلك إزاءها موقفاً واضحاً، سواء بالقبول أو الرفض أو التعديل، بحيث يجوز له وصفه بأنه نموذج للناقد المنهجي، الذي يمتلك أسساً واضحة لمنهجه، دون انغلاق، بل بقدرة منفتحة على إكمال منهجه وإغنائه وتطويره دائماً، بما يتناسب معه، ويغنيه من التطورات الجديدة.

على هذا الأساس يصر الكتاب على الانطلاق من الإنجاز المهم الذي حققه النقد الأدبي، ألا وهو أهمية النص، غير أنه يقدم مفهوماً مختلفاً للنص، لا باعتباره بنية لغوية مغلقة، ينبغي البحث عن تجريدها المثالي، وإنما ككيان ملموس وحي، يعيش حياته، عبر قوانينه الخاصة، لكن يحمل في هذه القوانين خصائص الحياة الاجتماعية، التي يعيش في إطارها ويبدع ويتلقى.

من هنا فإنه يسمي منهجه، علم اجتماع النص الأدبي، لكنه يحرص على الاستفادة من مناهج أخرى من البنيوية والتحليل النفسي والمنهج السميوطيقي، ومن نظريات القراءة، ورغم أنه يرفض الأسس الفلسفية لنظريات القراءة – على سبيل المثال – إلا أنه يحرص على تحقيق المهمة، مهمة دراسة القراءة، لكن من خلال تحليل النص نفسه وإبراز إمكانات القراءة المختلفة، من داخله، ثم من خلال العلاقة مع القراء بعد ذلك.

وكذلك يفعل مع الإنجاز النقدي لمدرسة فرانكفورت الذي يبدو معجباً به، ومستفيداً منه إلى حد كبير، سواء في نقده للماركسية التقليدية أو في إجراءات دراسته، فهو مع ذلك يرفض كثيراً من المفاهيم، التي يعتبرها ذات أصول كانطية في منهجهم، كما يقول في المقدمة.

هكذا عبر هذا التوجه المنهجي الواعي والنقدي، يقدم لنا زيما محاولة جديدة وأصيلة، نحو علم اجتماع للنص الأدبي، محدداً المهمة الجوهرية للنقد الأدبي، وعارضاً لمفاهيمها الأساسية ولإنجازاتها الكبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m576crb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"