الترجمة.. أَعطِ الخبز لخبّازه

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ملف الترجمة لا ينتهي منذ أن عرف الإنسان أكثر من لغة، وصار يتنقّل بين الأبجديات كما لو أنه يهاجر من لسان إلى لسان، وعلى ذكر الهجرة من هذا النوع قال محمود درويش: «.. اللغاتُ تهاجر مثل البشر..»، ومربط الفرس هنا، درويش نفسه..
لم يعرف عن صاحب «محاولة رقم 7» أن ترجم إلى العربية من اللغتين اللتين يعرفهما: الإنجليزية والعبرية، ولا ندري إن كان الشاعر الرّاحل غياباً فقط فهو لم يرحل في الحضور.. يعرف شيئاً من الفرنسية استناداً إلى الفترة التي أمضاها في باريس، وهي فترة قصيرة في كل الأحوال ما كان له خلالها أن يتعلم الفرنسية ويقرأ ويترجم بها..
في كل الأحوال مزاج درويش الشخصي والثقافي ليس مزاج مترجم. إنه شاعر ونقطة آخر السطر.
وحتى لو كان يعرف لغة غير عربية باحتراف، فلا نحسب أن صاحب «الجدارية» سيضع نفسه موضع المترجم، وعوضاً عن هذه الزاوية في معمار درويش فإن المترجمين هم من انشغلوا به ونقلوه إلى لغات العالم الحّية.
كينونة درويش هي كينونة القارئ الاحترافي، وبخاصة في الرواية، وكان بحساسيته الرفيعة يدرك جيداً الفرق بين ترجمة وأخرى، وكان معيار الجودة أو الرداءة عند قراءة رواية ما هو الذي يحدّد الفرق بين الترجمات، ولم يكن درويش وحده من يمتلك هذه البوصلة الدقيقة عند التمييز بين ما هو رديء وما هو جيد في الترجمة بل هناك الكثير من الشعراء ذوي الحساسية الدّالة يمتلكون (غريزة) معرفة نوعية الترجمات من خلال احترافية القراءة.
عبدالوهاب البياتي، أنسي الحاج، أمل دنقل، شوقي بزيع، عز الدين المناصرة، حبيب الصايغ، محمد القيسي، وغيرهم الكثير لم يكونوا شعراءً مترجمين، وليس لديهم مزاج المترجمين ومشاريعهم الاختصاصية، ظلوا شعراء، وانشغل بهم المترجمون، ونقلوهم من جغرافية اللغة العربية إلى قارّات العالم.
قد تقول لي إن هؤلاء الشعراء الذين ذكرتهم وغيرهم لم يكونوا مؤهلين للترجمة أصلاً لأنهم لا يعرفون لغات، وأقول لك مباشرة في المقابل إن بعض الشعراء الذين لبسوا لبوس المترجمين لم يكونوا احترافيين في الترجمة، لأنهم لم يكونوا يعرفون لغات العالم جيداً وبما هو كفاية فنية ومهنية ليطلق عليهم وصف مترجمين..
الشعراء العرب المترجمون أو بعضهم كان بإمكانهم أن ينقطعوا فقط للشعر. شعرهم هم ليجوب العالم بلغاته على يد نَقَلةٍ مهنيين متخصصين، ومرة ثانية وثالثة:..«أَعطِ
الخبز لخبّازه..».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8hfff5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"