عادي

السودان.. وطن «يغرق» في الحرب

22:59 مساء
قراءة 4 دقائق
أعمدة الدخان تتصاعد من حريق في مستودع للأخشاب في جنوب الخرطوم (أ ف ب)

د. أميرة محمد عبد الحليم*

للأسبوع الثامن على التوالي لا يزال السودان يدور في حلقة مفرغة من العنف، والدم، والدمار، والتهجير، والسلب، والنهب في ظل استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، فبمجرد انتهاء فترة الهدنة التي وافقا عليها بعد ضغوط أمريكية وسعودية كبيرة استأنف الطرفان معاركهما في العاصمة الخرطوم؛ مما زاد من تعقيد المشهدين الأمني والإنساني في السودان.

مع عودة الاشتباكات المسلحة إلى مناطق مختلفة من الخرطوم، والتي استخدم خلالها الجيش الطيران والمدفعية الثقيلة لضرب مواقع لقوات الدعم السريع اتجه العديد من المسؤولين والمهتمين داخل السودان وخارجه إلى البحث عن مسارات جديدة لإيقاف الحرب، ومنع قتل المدنيين الأبرياء، فطالب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار طرفي الصراع بالخروج من العاصمة نظراً لما تكبّدته الخرطوم من خسائر مادية وبشرية كبيرة.

عقوبات أمريكية «مبدئية»

في حين اتجهت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على طرفي الصراع لدفعهما نحو وقف الاقتتال، لم تكن هذه العقوبات مفاجئة، بل جاءت بعد تحذيرات متعددة من مسؤولين أمريكيين لوقف إطلاق النار في السودان، وعقب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس جو بايدن في 4 مايو/أيار بتوسيع صلاحيات السلطات الأمريكية للرد على العنف والمساعدة في إنهاء الصراع في السودان، والسماح لوزارتي الخارجية والمالية الأمريكيتين بتنفيذ هذا الأمر من خلال القيام بإجراءات تعزز المساءلة والشفافية.

وتتضمن هذه الإجراءات فرض عقوبات على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والكيانات التابعة لهما، وشمل القرار فرض العقوبات على شركتين تابعتين للجيش، وشركتين أخريين تابعتين لقوات الدعم السريع، مع حظر منح عدد من الشخصيات لم يتم الإفصاح عن أسمائهم تأشيرات، مع الإعلان عن استعداد واشنطن لاتخاذ المزيد من الإجراءات حسب الضرورة.

ويبدو أن الولايات المتحدة سوف تصعّد من عقوباتها على المسؤولين في طرفي الصراع في حالة استمرار رفض الجانبين الإذعان لاتفاق جدة وعدم وقف إطلاق النار، كما يمكن للولايات المتحدة كما أعلنت من قبل التدخل عسكرياً في الصراع لحماية مصالحها في السودان، وربما يكون ذلك عبر طائرات مسيرة كما هو الحال في الصومال.

مستقبل محادثات جدة

حملت الوساطة الأمريكية - السعودية بصيص أمل لتسوية الصراع بين طرفيه بما يحد من آثاره الكارثية، إلا أن إصرار طرفي الصراع على الحسم العسكري وعلى أن المباراة بينهما صفرية، ومن ثَمّ يعمل كل طرف على القضاء على الطرف الآخر، يزيد من الضغوط على الوسطاء الذين يبحثون عن نقاط لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع بعيداً عن تفكير الطرفين في أن الاقتتال بينهما يمثل عملية تأديبية أو انتقامية نتجت عن تجاوز طرفٍ الخطوطَ الحمراء للطرف الآخر، دون النظر إلى عواقب الاستمرار في العنف وحل الأزمة باستخدام القوة، ودون مراعاة نتائج الاستخدام المفرط للقوة على مستقبل السودان والعملية السياسية؛ إذ كيف يقبل السودانيون أو القوى المدنية بعد الآن مشاركة قوات عسكرية استباحت قتل المدنيين الأبرياء.

وبرغم العقوبات الأمريكية الأخيرة لا يزال الكثيرون يعولون على الوساطة الأمريكية السعودية ودورها في إعادة طرفي الصراع إلى مائدة الحوار للوصول إلى تفاهمات يمكن تطبيقها على الأرض، وخاصة في ظل التواصل المستمر بين الوسطاء وطرفي الصراع؛ مما يمهّد الطريق لتطوير محادثات جادة بين الطرفين؛ ففي أعقاب إعلان الجيش السوداني في 31 مايو/أيار تعليق مشاركته في محادثات جدة، وعودة الاشتباكات بعد انتهاء الهدنة، أطلقت السعودية والولايات المتحدة بياناً يوم الأحد 4 يونيو حثتا خلاله طرفي الصراع على «التوصل إلى هدنة جديدة وتنفيذها بشكل فعال».

تفاقم الأوضاع الإنسانية

ومع استمرار الاشتباكات المسلحة تتزايد الأوضاع الإنسانية سوءاً، فلا يزال يفر آلاف السودانيين من مناطق الاشتباكات في العاصمة وكذلك في دارفور، حيث يشتد الاقتتال في عدد من أجزائها، وتتزايد الضغوط على مناطق النزوح الداخلي، كما تعاني دول الجوار التي يفر إليها السودانيون مشكلات؛ فقد تسببت الأزمة في مشكلات اقتصادية وإنسانية للدول المجاورة، وأمام هذه المشكلات ترسل منظمات الإغاثة تحذيراتها من احتمالات تدهور الأوضاع الإنسانية في هذه الدول في ظل استمرار الصراع.

أما الداخل السوداني فقد أعلن الهلال الأحمر السوداني مؤخراً أن القتال المستمر في السودان في الخرطوم ودارفور أرغم المتطوعين على دفن 180 قتيلاً انتُشلت جثثهم من مناطق القتال، دون التعرّف على هوياتهم. كما أعلن الهلال الأحمر أنه تم دفن 102 جثة مجهولة الهوية في مقبرة الشقيلاب في العاصمة، و78 جثة أخرى في مقابر في دارفور. إضافة إلى ذلك باتت معظم المستشفيات خارج الخدمة؛ إما نتيجة الأضرار التي لحقت بها جراء الاشتباكات وإما بسبب احتلالها أو نهبها.

وأمام هذا المشهد الذي يُنذر بكارثة إنسانية حقيقية، ومع صعوبات توفير مسار داخلي للتسوية بقيادة شخصيات سودانية في ظل استمرار الاقتتال تظل الجهود الإقليمية والدولية تطرح مسارات جديدة للوصول إلى تسوية لهذا الصراع، فلا يزال الكثيرون ينتظرون أدواراً أكثر فاعلية للدول الإفريقية في هذا الصراع خاصة الدول التي تتواصل مع السودان عبر الامتدادات القبلية والعائلية والمصلحية، وتمتلك علاقات متميزة بطرفي الصراع، وأن تسعى هذه الدول إلى المشاركة في محادثات جدة أو طرح مسارات جديدة للتسوية بالتوازي مع محادثات جدة، كما ينتظر من الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الفرعية كمنظمة الإيجاد البحث عن حلول تتوافق مع طبيعة الأزمة الراهنة في السودان على غرار العديد من الأزمات الإفريقية التي شهدت صراعات داخلية، وتدخلت المنظمات الإقليمية الإفريقية لمنع انزلاق الدول نحو الحرب الأهلية، كما يمكن تعيين مبعوث للأمم «إفريقي» خاص بالسودان ليحل محل فولكر بريتس الذي تتشكك الكثير من الأطراف في السودان في قدرته وحياده، وذلك خلال الشهور الستة المتبقية للبعثة الأممية في السودان، لتقريب وجهات النظر، وإنقاذ البلاد، ووقف سفك الدماء.

* باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/rdpkpasd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"