عادي

تعرف إلى الثورة الروسية

19:53 مساء
قراءة 3 دقائق
تعرف إلى الثورة الروسية

القاهرة: «الخليج»

في 23 فبراير عام 1917 خرج ألوف من عاملات النسيج وربات البيوت إلى شوارع روسيا للاحتجاج على نقص الخبز، وفي اليوم التالي أضرب أكثر من 200 ألف عامل، وخرج المتظاهرون في مسيرات يرشقون الشرطة بالحجارة، وفي 26 فبراير تلقى الجنود أوامر بضرب حشود المتظاهرين بالرصاص، وفي الصباح التالي تمردت عدة وحدات عسكرية، وبحلول الأول من مارس احتشد 170 ألف جندي يهاجمون السجون ومراكز الشرطة، ويدمرون رموز القيصرية، التي لم تصمد سوى 12 يوماً فقط في وجه الثورة.

وبهذا شهدت الثورة الروسية عام 1917 الإطاحة بحكم القيصر في شهر فبراير، واستولى الحزب البلشفي على السلطة في شهر أكتوبر، وواصل البلاشفة تأسيس دولة فوق منطقة، تغطي سدس مساحة الكوكب، تمتد من القطب الشمالي حتى البحر الأسود، ومن البلطيق إلى الشرق الأقصى، وقد أثبتت تلك الثورة أنها الأهم في القرن العشرين، إذ ألهمت حركات وثورات عبر العالم، ومن بعد عام 1945 تجلى تأثيرها العميق، الذي خلفته في العديد من الحركات المناهضة للكولونيالية، وكذلك في تشكيل بنية العلاقات الدولية في الحرب الباردة.

يحاول ستيف. أ. سميث في كتابه «مقدمة قصيرة عن الثورة الروسية» ترجمة عاطف سيد عثمان، أن يقدم للقارئ سرداً تحليلياً للأحداث والتطورات الرئيسية من عام 1917 إلى عام 1929 حينما دشن ستالين مبدأه المعروف «الثورة من أعلى» بإدخال التصنيع المتعجل، وتنفيذ سياسة الجمع القسري للمحاصيل، إلى الاتحاد السوفييتي، كذلك يسعى الكتاب إلى شرح كيفية اندلاع الثورة، وسبب اندلاعها في عام 1917 وكيفية وصول البلاشفة إلى السلطة وتأسيس نظام هناك، وأخيراً كيفية تطور ذلك النظام، ليصبح شكلاً مخيفاً من أشكال الحكم الشمولي.

يولي الكتاب اهتماماً أيضاً بالمثل العليا، والطموحات التي ألهمت المتنافسين على السلطة، والمسائل والصراعات التي كان عليهم خوضها، لكنه يسعى إلى تجاوز السياسة بمعناها الضيق، لقد حاولت ثورة أكتوبر ألا تفعل ما هو دون تحطيم نظام اجتماعي كامل، وتأسيس مجتمع يتفوق على أي مجتمع، كتب له أن يكون، حتى تلك اللحظة، في التاريخ البشري.

كما يرصد الكتاب التأثيرات بعيدة المدى لهذا المشروع على الاقتصاد والحياة الريفية، والعمل وهياكل الحكومة، والأسرة، والإمبراطورية، والتعليم والقانون، والنظام، والكنيسة، ويتتبع على وجه الخصوص ما مثلته الثورة من آمال، وخيبات الأمل التي تمخضت عنها لجماعات مختلفة، مثل الفلاحين والعمال والجنود والقوميات غير الروسية والإنتلجنسيا (نخبة المفكرين) والرجال والنساء والشباب.

مؤلف الكتاب مؤرخ اجتماعي، لكن شغله الشاغل سياسي، أي أنه معنيّ بفهم كيفية معايشة الأشخاص العاديين للإطاحة ببنية من بنى الهيمنة، وكيفية مشاركتهم في فعل الإطاحة، وكيفية معايشتهم للصعود التدريجي لبنية هيمنة جديدة، وكيفية مقاومتهم إياها، وتتخلل كل فصل من فصول الكتاب بضعة اقتباسات من وثائق، رأت النور، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

يتطرق الكتاب إلى مسائل جذرية معينة، مثل دور الأيديولوجيا والفاعلية البشرية في الثورة، وتفاعل العناصر التحررية في المشروع البلشفي، وتأثير الثقافة الروسية على تطور الاتحاد السوفييتي، ويدمج الكتاب الخطوات التقدمية في البحث والتفسير، التي حققها الدارسون الغربيون، منذ ثمانينيات القرن العشرين، في مجال التاريخ الاجتماعي والثقافي على وجه الخصوص، وإنتاج الدارسين الروسيين الذين تحللوا من أغلال الرقابة السوفييتية في سنة 1991 تلك السنة التي انهارت فيها الدولة.

في أغسطس عام 1919 أعلنت صحيفة «السيف الأحمر»: «كل شيء مسموح لنا، لأننا أول من رفع السيف في العالم، ليس باسم العبودية والاضطهاد، بل باسم السعادة والتحرر من العبودية» ومع ذلك فسرعان ما تقوض التحرر من العبودية، على نحو مهلك، بواسطة الوسيلة التي اختيرت لتحقيقه، كذلك تغير معنى الثورة عندما أصبحت مطمورة في البيئة الروسية، وبحلول العشرينيات كان البلاشفة، يتجاوبون مع كثير من الضغوط نفسها، التي حفزت نظام «نيقولا الثاني» الحاجة إلى التحول الصناعي سريعاً، وتحديث الزراعة وبناء مقدرة دفاعية، أصبحت هذه الأهداف في ذلك الوقت مختلفة تمام الاختلاف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8mbm3s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"