عادي
تنافس محموم لاستقطاب حلفاء وأصدقاء جدد

معركة «كسب القلوب والعقول» من يفوز.. أمريكا أم روسيا والصين؟

00:04 صباحا
قراءة 7 دقائق
معركة «كسب القلوب والعقول» من يفوز.. أمريكا أم روسيا والصين؟

د. أيمن سمير

الولايات المتحدة ومعها ما يسمى بدول «تحالف القيم» الذي يضم الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، تتسابق مع روسيا والصين لكسب دعم وتأييد باقي دول العالم للمقاربة السياسية والاقتصادية والأمنية لكل طرف، وعلى الرغم من اختلاف الوسائل والخطاب السياسي والإعلامي لدى الجانبين، فإن الهدف واحد، وهو التفوق في التنافس والصراع الجيوسياسي بينهما، والذي يمتد إلى كل المناطق والأقاليم الحيوية في العالم بداية من أمريكا الجنوبية، وإفريقيا، والشرق الأوسط، والإندو- باسيفك، وصولاً إلى البحر الأسود وبحر البلطيق وبحر الشمال وحتى القطب الشمالي

خلال قمة الدولة الصناعية السبع التي استضافتها مدينة هيروشيما اليابانية 19 مايو الماضي تم وضع «استراتيجية كسب القلوب» للدول الوسطية والمترددة في الانضمام «لتحالفات القيم» التي ينبثق منها تحالفات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة منها «تحالف أوكوس» الذي يضم مع الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وأستراليا، و«تحالف الكواد الرباعي» الذي يضم الهند واليابان مع الولايات المتحدة وأستراليا، إضافة إلى تحالف «العيون الخمس» الذي يضم كندا ونيوزيلندا وأستراليا مع بريطانيا والولايات المتحدة، ناهيك عن الدور المتنامي لحلف دول شمال الأطلسي «الناتو» في شرق آسيا خاصة مع اليابان وكوريا الجنوبية.

الصورة

تستهدف خطة «كسب القلوب» الغربية، دولاً بعينها في المرحلة الأولى ومنها إندونيسيا والبرازيل وفيتنام وشيلي والدول الإفريقية الفاعلة خاصة جنوب الصحراء والساحل الغربي للقارة السمراء

على الجانب الآخر، وفي ذات التوقيت، في 19 مايو الماضي، استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ قادة دول «آسيا الوسطى» الخمس، «كازاخستان، وأوزباكستان، وطاجاكستان، وقيرغستان، وتركمانستان»، والهدف ليس فقط إبعادهم عن الولايات المتحدة، وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي؛ بل لضمهم «للمقاربة الصينية» التي تحذر يومياً من سعي الغرب إلى نشر «الثورات الملونة»، وما يصاحبها من «فوضى غير خلاقة» في آسيا ودول المحيط الهادئ، وفق عدد من التصريحات الصينية آخرها على هامش «مؤتمر شانغرلا» الأمني في سنغافورة على لسان وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو.

ليس هذا فقط؛ بل تستعد القارة الإفريقية في شهر أغسطس القادم، لاستضافة قمة مجموعة «البريكس» التي تضم 5 دول هي الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وروسيا، بعد أن تقدمت 19 دولة من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا بطلبات للانضمام «لدول البريكس»، والتي يطلق عليها «بريكس بلس»، والتي باتت توصف بأنها «مستقبل العالم» بمعدلات نموها العالية، ونجاحها في تبني «رؤية استراتيجية» ناجحة جعلتها تتمتع «بالمقبولية العالمية» بين مختلف الدول الكبرى والمتوسطة والصغيرة، وهو ما يدشن مرحلة جديدة شعارها «البحث عن الحلفاء والشركاء والأصدقاء»، فما هي الأدوات التي يستخدمها الطرفان لكسب قلوب الدول والشعوب الأخرى؟ وهل يشكل هذا التنافس فرصة لباقي دول العالم للاستفادة من هذا التسابق من جانب المتنافسين الدوليين تجاه الدول الوسطية وغير المنحازة لهذا الطرف أو ذاك؟

الصورة

تنافس محموم

هناك سلسلة طويلة من المسارات ودوائر التنافس المحموم لكسب العقول والقلوب من الجانبين، ولعل أبرز المحاور التي يعمل عليها الطرفان هي:

أولاً: «معركة العروض»، وتقوم الخطة التي تم اعتمادها في قمة هيروشيما للدول الصناعية السبع الكبرى على «تقديم عروض» لا يمكن رفضها، وسوف يتم تقديم هذه العروض للدول ذات المكانة الاستراتيجية في العالم، لكنها حتى الآن غير منحازة بالكامل للولايات المتحدة وحلفائها، والدول التي سيتم تقديم العروض لها هي مجموعة مختارة بعناية من الدول لجذبها بعيداً عن الصين وروسيا، وتعتمد هذه الاستراتيجية المستقبلية على تعزيز التعاون بين الدول الصناعية الكبرى وحلفائها في الناتو وآسيا والاتحاد الأوروبي مع هذه الدول التي يطلق عليها «الدول الوسطية» مثل البرازيل، وفيتنام، وجنوب إفريقيا، وكازاخستان، إضافة إلى دول في نصف الكرة الغربي وإفريقيا وآسيا، وذلك عبر أدوات سياسية واقتصادية وأمنية متميزة منها تقديم التزامات رفيعة المستوى، وتحسين التنسيق بين مشروعات البنية التحتية الحالية، ووضع خطط عمل خاصة لكل دولة باعتبارها شريكاً أساسياً للدول الغربية.

ثانياً: «القيم بجانب المصالح»، تنوي الولايات المتحدة وشركاؤها إحداث تغيير في «أدواتها» وعروضها «للدول الوسطية» ومنها إضافة «بند المصالح» بجانب «مصفوفة القيم»، وذلك من خلال تقديم رؤية واضحة لطبيعة المصالح التي يمكن أن تتحقق من خلال الشراكة مع الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة ما يتعلق بتحقيق اقتصادات ناجحة وبنية تحتية صديقة للبيئة.

ثالثاً: «دور كبير للحلفاء»، وسوف يساعد الاتحاد الأوروبي في استراتيجية «كسب القلوب والعقول» من خلال السعي إلى تعزيز العلاقات مع 4 دول من الدول الوسطية وهي البرازيل وشيلي ونيجيريا وكازاخستان، إضافة إلى تعزيز العلاقات مع دول جنوب العالم عبر دعم الالتزام بالقانون الدولي.

رابعاً: «مودي في البيت الأبيض»، في إطار التنافس لكسب القلوب يستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو القادم رئيس الوزراء الهندي ناريدار مودي، الذي يحتفظ بعلاقات طيبة مع الكرملين، لكنه دعا في نفس الوقت أكثر من مرة إلى وقف الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن الهند العضو في تحالف «كواد الرباعي» هي عضو فاعل في مجموعة البريكس التي تقودها الصين وروسيا، والهدف الأمريكي جذب الهند بعيداً عن روسيا.

خامساً: «قمة الصين - آسيا الوسطى»، ففي الوقت الذي أردت الولايات المتحدة «تسويق الخوف» من الصين وروسيا، والترويج لما تسميه «الإكراه الاقتصادي» الصيني، نجحت بكين في تذكير العالم بنفوذها خارج دائرة نفوذ الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية من خلال التأكيد على ما تحظى به الصين من «قبول ودعم» في دول آسيا الوسطى الخمس، وذلك عندما اجتمع الرئيس الصيني شي جين بينغ في 19 مايو الماضي بمدينة «شيان» الصينية مع قادة الدول الخمس الآسيوية بالتزامن مع انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في 18 من نفس الشهر في هيروشيما، وكان لافتاً أن الرئيس الصيني وصف العلاقة مع هذه الدول بأنهم «أصدقاء موثوقون، وإخوة، وشركاء جيدون»، وتحدث الرئيس الصيني بشكل غير مسبوق لجذب كازاخستان ناحية الصين، وهي الدولة تتعرض لضغوط هائلة لتتخلى عن علاقاتها الوثيقة مع روسيا والصين، وخاطب الرئيس الصيني نظيره الكازاخي قاسم جومارت بعيد ميلاده السبعين قائلاً: «إن كازاخستان المستقلة والمستقرة والمزدهرة، تصب في المصلحة المشتركة للشعبين الصيني والكازاخستاني، وأن الصين تدعم حماية كازاخستان استقلالها الوطني، وسيادتها ووحدة أراضيها، وحقها في اختيار مسار التنمية الخاص بها، وفقاً لشروطها الوطنية»، وكلها كلمات الهدف منها نفي الاتهامات الغربية للصين «بالإكراه الاقتصادي» للدول التي تقع على مسار مبادرة «الحزام والطريق» ومنها دول آسيا الوسطى.

سادساً: يؤكد التنافس في «كسب القلوب» أن هناك «عالمين متنافسين» لكسب تأييد ودعم الدول التي لا تزال على الحياد، وهو ما يؤشر أيضاً على أن النظام العالمي لم يعد عالماً أحادياً تقوده الولايات المتحدة دون أي منافسة، وأننا بالفعل أمام إرهاصات تبشر بظهور «بديل» لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية «حيث تعمل الصين من خلال كسب الشركاء الجدد في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى وضع «أساس جديد» و«هياكل قوية» لعالم يختلف تماماً عن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية أو «نظام القواعد» الذي تحرص الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والآسيويون على الحفاظ عليه.

سابعاً: «دبلوماسية دقيقة التفاصيل» تعتمد الصين «لكسب العقول والقلوب» على مجموعة من الأدوات التي أثبتت نجاحاً خلال السنوات الماضية منها الدبلوماسية «دقيقة التفاصيل»، وتوفير الاستثمار في البنية التحتية، وتقديم مقاربة «رابح - رابح» في العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية، ولهذا أصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول لكل من قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأقاليم حيوية في العالم مثل دول مجلس التعاون الخليجي.

ثامناً: «شراكة أمنية موثوقة».. ففي الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة وحلفائها» مشروطية سياسية واضحة، فإن الكرملين يستثمر في العلاقات التاريخية التي كانت تجمع الاتحاد السوفييتي السابق مع دول نصف الكرة الجنوبي، إضافة إلى بعض الوسائل الجديدة ومنها «دبلوماسية الأسمدة والحبوب»، والإمدادات الروسية من الأسلحة وتكنولوجيا الطاقة النووية، كما يستضيف الرئيس بوتن في يوليو المقبل زعماء أفارقة في سانت بطرسبرج لتعزيز الجهود مع تلك الدول التي يميل فيها الرأي العام بقوة لصالح «مقاربة موسكو» في الحرب الأوكرانية الروسية، كما يوجد انطباع غربي بأن التصويت الإفريقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 24 فبراير 2022 يميل إلى روسيا التي زارها منذ 2014 نحو 15 زعيماً إفريقياً، كما شارك نحو 44 زعيماً ورئيس دولة إفريقية في القمة الروسية الإفريقية الأولى في سوتشي عام 2019، كما تشير التوقعات أن موسكو سوف تضاعف الميزان التجاري مع إفريقيا ليصل لنحو 50 مليار دولار عام 2025، ناهيك أن روسيا رسخت تعاوناً عسكرياً غير مسبوق مع الدول الإفريقية تعبر عنه البعثات العسكرية الإفريقية التي تتعلم وتتدرب في روسيا والتي يصل لنحو 30 بعثة عسكرية إفريقية.

تاسعاً: «توسيع البريكس».. على الرغم من أن آخر توسيع للبريكس كان عام 2010 بضم جنوب إفريقيا، فإن الصين وروسيا تدفعان بتوسيع البريكس لكسب قلوب مزيد من الدول والشعوب، وخلال مؤتمر وزراء خارجية البريكس في جنوب إفريقيا حضرت 19 دولة قدمت طلبات للانضمام للبريكس، وهو ما يؤكد القبول برؤية واستراتيجية البريكس.

عاشراً: التوسع في بدائل الدولار.. أكثر الوسائل التي باتت تجذب الدول نحو التحالفات التي تضم الصين وروسيا هو تبني البلدين لنهج يقوم على التوسع في استخدام العملات الوطنية بديلاً للدولار، ونظراً للضغوط على العملات الوطنية تلجأ الكثير من الدول إلى الانضمام لبنك التنمية الجديد التابع للبريكس

النهج الاستقلالي.

إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا والصين تتنافس لجذب الحلفاء والأصدقاء فإن الكثير من «الدول الوسطية» لا ترغب في الانحياز لهذا الطرف أو ذاك وتريد الحفاظ على «نهج مستقل» خاص بها يبدأ وينتهي عند المصالح الوطنية، فدولة مثل الهند سوف تدعم الولايات المتحدة والغرب في الخلاف مع الصين بسبب النزاعات الحدودية بين الهند والصين، لكن في الوقت نفسه تريد الهند أن تحتفظ بمساحة من العلاقات الجيدة مع الكرملين، حيث تعد الهند من كبار مستوردي الطاقة والأسلحة الروسية، كما أن دولة مثل فيتنام ما زالت تريد الحفاظ على علاقات طيبة مع بكين التي تعد الشريك التجاري الأول لهانوي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vh4e4szc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"