العيش مع بيكاسو

هل كانت شهرة سيمون دي بوفوار كأديبة مرموقة ستكون أكبر، لو أن جان بول سارتر لم يكن شريكها العاطفي؟ هل طغت شهرة سارتر الكبيرة على سمعة دي بوفوار، لكونه أديباً وفيلسوفاً وملهماً للشباب الفرنسي في الحركة المطلبية التي شهدتها الجامعات الفرنسية في نهاية الستينيات، وتركت أعمق الأثر في تكوّن مشهد ثقافي وسياسي جديد، أم أن العكس هو الصحيح، فكونها «ظلاً» لسارتر، خدم اقتران اسمها باسمه صيتها وعزّز من مكانتها؟
 سؤال تصعب الإجابة عنه. لا يمكن الجزم أي من الإجابتين هي الصحيحة، فلربما لو تأمّنت لسيمون استقلالية عن سارتر لكان نجمها، الساطع أصلاً، قد سطع أكثر، وربما يكون هذا الاقتران بسارتر خدمها، وجعلها في دائرة الضوء أكثر، خاصة أن علاقتها به طالت كثيراً، رغم ما قيل لاحقاً عن أن هذه العلاقة لم تخل من منغصات.
 سؤال حملنا على طرحه خبر رحيل الرسامة فرانسواز جيلو، التي كانت شريكة حياة الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو، بين عامي 1946 و1953، والتي توفيت مؤخراً عن عمر ناهز 101 عام، هي التي لم تحقق الشهرة في مسيرتها الفنية، إلا بعد انفصالها عن بيكاسو. وعرفت جيلو المولودة في عام 1921 في ضواحي باريس، لعائلة برجوازية، ب«ملهمة بيكاسو»، وهي التي سارت على خطى والدتها في الرسم، ولكن المرأة التي أريد لها ألا تكون أكثر من «ملهمة» لبيكاسو، خاضت مسيرة فنية استمرت أكثر من 60 عاماً، رسّخت خلالها نفسها كرسامة مشهورة بعد انفصالها عنه، حيث تعرض أعمال لها في مجموعات متحف «متروبوليتان» للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، وقبل عامين بيعت إحدى لوحاتها، «بالوما مع الغيتار»، في مقابل 1.3 مليون دولار في مزاد نظمته دار «سوذبيز».
 المؤكد أن مكانة وسمعة بيكاسو، كفنان شهير، طغتا على سمعة جيلو، والمؤكد أيضاً أن اقترانها به كان له أثر في تطوّر تجربتها الفنية، لكن سيرتها تذكر أن من بين معلميها الفنان السريالي الفرنسي المجري إندري روزدا، وأقيم معرضها الأول في باريس سنة 1943، وهو العام الذي قابلت فيه بيكاسو، وهي لما تزل في العشرينات من عمرها، فيما كان عمره 61 عاماً. وأثمرت علاقتهما ولدين: كلود وبالوما.
أحاطت علاقة جيلو ببيكاسو ما أحاط بعلاقاته مع نساء أخريات اقترنّ به من منغصات، واختارت أن تتحدث عنها في كتاب صدر في عام 1964، بعنوان «العيش مع بيكاسو»، حقق نجاحاً هائلاً، وترجم إلى نحو عشرين لغة، صوّرت فيه بيكاسو كرجل مستبد وأناني.
[email protected]