مخاطر الذكاء طبيعياً كان أم اصطناعياً

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

منذ سنين طويلة يسعى العلم إلى محاكاة الجسم البشري، سواء في الطب بإنجازات تطوير أعضاء بديلة لأغراض علاجية أو في غيره من ابتكارات تكنولوجية تقوم بمهام مماثلة لما يقوم به البشر. ولعل العقل البشري ومحاولة محاكاته كانت وراء أغلب تطورات التكنولوجيا في العقود الأخيرة. ولا يمكن إلّا دعم كل تطور ينجزه العقل البشري، بذكائه الطبيعي، لتسهيل حياة البشر في مواجهة الطبيعة وظروف الحياة على الأرض.

 ألم يخلق الله البشر لإعمار الأرض؟ أو ليس كل ما يطورونه ويبتكرونه هدفه في النهاية المساهمة في الإعمار بأفضل السبل وأيسرها بما ييسر حياة الإنسان؟ فكل ابتكار وتطور في هذا السياق هو من باب «العمل عبادة». حتى تلك الانجازات والابتكارات التي يرى البعض أنها ربما تضر أكثر مما تنفع، وتقضي على البشر بدلاً من تمكينهم من سبل الحياة، كأسلحة الحروب وغيرها هي أيضاً مفيدة في الحفاظ على توازن الحياة على الكوكب من ناحية، ولضبط حياة البشر من ناحية أخرى.

 إنما المغالاة في تصوير بعض الابتكارات والإنجازات على أنها تتجاوز التكوين البشري ففيه قدر كبير من الشطط. على سبيل المثال تلك الهالة الرهيبة التي نشهدها لابتكار مطوري برامج كمبيوترية لبرنامج يعتمد الذكاء الاصطناعي في الكتابة والتأليف الموسيقي وغيره. مخاطر ذلك التهويل هو الركون إلى أن تلك البرامج ستقوم بما يقوم به البشر فيركن الإنسان إلى الكسل التام، ويتوقف عن التطوير والابتكار وحتى «العمل».

 تلك البرامج ليست سوى «منتج» جديد لاستهلاك البشر بالأساس، خاصة وأن سرعة التطور التكنولوجي في العقود الأخيرة جعلت سوق الاستهلاك الرقمي تتشبع بسرعة بكل ابتكار. وبما أن تلك الصناعة هي الطاغية الآن، فهي بحاجة لخلق أنماط استهلاك جديدة باستمرار وبوتيرة أسرع. مع الأخذ في الاعتبار أن كل ما يتم تطويره من «ذكاء اصطناعي» هو في النهاية ناتج عن «ذكاء طبيعي» لمبتكريه من البشر.

 لكن، لأن أغلب إنجازات العلم بدأت بروايات وقصص «خيال علمي»، بعضها نشرته أفلام السينما على نطاق واسع، فقد كان ما قاله عسكري أمريكي كبير في مؤتمر بالعاصمة البريطانية لندن قبل أيام مثيراً بحق. ففي مؤتمر للجمعية الملكية للصناعات الجوية كشف كبير ضباط الاختبارات والتدريب في القوات الجوية الأمريكية عما حدث في تجربة درون مبرمجة بالذكاء الاصطناعي لرصد الأهداف المعادية وتدميرها. وكيف أن الدرون حين تلقت أمراً بعدم تدمير الهدف المعادي استهدفت مشغليها ودمرت برج الاتصالات الذي يستخدمونه للتحكم بها.

 كان الضابط يتحدث أمام مئات من مديري الشركات، ومن بينها من يطورون أنظمة ذكاء اصطناعي، وكبار قادة القوات الجوية في الدول الغربية. وبعدما سرد الحادث، طالب بضرورة النقاش المتعلق بالأخلاق والقيم قبل استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.

 تم تفسير تمرد «درون الذكاء الاصطناعي» باعتبار أن المسيّرة مبرمجة أساساً لرصد وتحديد وتدمير الأهداف المعادية، وبالتالي حين جاء الأمر من مشغليها بعدم التدمير، اعتبر البرنامج ذلك عاملاً معوقاً لتحقيق الأهداف التي برمج على أساسها؛ فقام بإزالة العائق – مشغّل الدرون البشري.

 فالتمرّد من قبل برنامج الذكاء الاصطناعي ليس تفكيراً مقصوداً، وإنما استجابة آلية حسب برمجته. إنما يظل الخطر قائماً، وهو ما يتخوف منه كثيرون بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقضي على البشرية، أي مثل ما يحدث في أفلام الخيال العلمي الحديثة من حرب الروبوتات مع البشر وسيطرتها على العالم.

 المسألة ببساطة أن التكنولوجيا مهما تطورت فهي نتاج الذكاء الطبيعي، أما مسألة المخاطر والأضرار فهي تحدث من قبل أن يخترع الإنسان البدائي الآلة لتساعده في إعمار الأرض. فالخطأ وارد دائماً، والحوادث تقع سواء كانت المعدات آلية أو يدوية، عادية أم ذكية. إنما الخطر الأكبر هو الاستسلام لتصور أن ذكاءً اصطناعياً يحلّ محلّ ما هو بشري طبيعي.

 قد يستطيع مطورو برامج الكمبيوتر، مستعينين ببحوث العلوم الطبية، محاكاة المخ وطريقة عمله. لكن الدماغ البشري ليس حاسوباً هائلاً، بل هو يعمل ضمن محيط حيّ ومرتبط ببقية أعضاء الجسم البشري الحيوية. كما أن له إطاراً خارج ما هو مادي، سمِّه ما شئت: الروح أو الضمير أو الشعور.. الخ. فضلاً عن ذلك، فإن الجسم البشري لا يعمل «كما الكتاب» مثلما يتصرف الروبوت حسب البرنامج. وخبرنا بعد من تجارب الحياة، أنه مهما بلغ الإنسان من العلم لا يمكنه سبر غور بعض عمل الجسم البشري، فما بالك بالعقل البشري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tpny7m7

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"