العودة إلى الورق

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
مع تزايد الحديث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، وما قد يجرّه من تبعات تهدّد «أنسنة» الحياة، التي هي نتاج تطوّر مديد قطعته البشرية، لمصلحة عالم خالٍ من الروح والدفء الإنسانيين، يجري، وعلى نطاق واسع، تداول خبر حول تصريح لوزيرة التعليم السويدية، تؤكد فيه التوجه نحو العودة للكتب الورقية، واستخدام الأقلام في الكتابة في مدارس بلادها، بدلاً من الشاشات، على خلفية ما لوحظ من تراجع مستويات مخرجات التعليم هناك، خاصة على صعيد القدرة على القراءة.

ولموضوع الذكاء الاصطناعي أكثر من وجه، وفي مقاربته أكثر من رأي، بين قائلين: ما الضير في أن نستخدم منجزات العالم والتكنولوجيا وذكاءها الاصطناعي طالما كانت ستجعل أمور حياة الناس أسهل، وإنجازهم لمهماتهم ومعاملاتهم اليومية أسرع وأسلس، ويجري عقد مقارنة بين ما عاناه أسلافنا من صعوبات في العيش، وما نحن فيه اليوم من سهولة المعاملات وجودة الخدمات، بل ويحدث أن يقارن المخضرمون منا بين مراحل الحياة التي عاشوها، فكلما تقدّمت الاختراعات كلما أصبحت الحياة أسهل، مقارنة بما كانت عليه قبل عقود، لا بل قبل عقد، أو حتى سنوات.

في المقابل يلفت آخرون النظر إلى أن التطوّر التقني موجه من شركات ومؤسسات يعنيها جني الأرباح فحسب، هي تخترع وتطوّر وتوظف العقول من أجل المزيد من المال، غير آبهة بالبعد الآخر، الأخلاقي والإنساني، لما ينجم عن بعض أوجه الذكاء الاصطناعي من تبعات سلبية، لا بل وشديدة الخطورة، في عالم يحكمه منطق الرأسمال الأعمى والصراعات المدمرة.

والحقيقة أن وزيرة التعليم السويدية لم تقل بالتراجع عن توظيف شاشات الحواسيب والتقنيات عامة في التعليم، وإنما يفهم من فحوى تصريحها أنها تدعو للمزاوجة، أو المواءمة بين الأمرين، بين الورقي والإلكتروني، لأن الأول يكسب التلاميذ مهارات وقدرات يعجز الثاني عن تقديمها، رغم ما يبدو عليه من تفوّق ظاهري، ومن ذلك مهارة الكتابة بالقلم، أو قراءة الكتاب الورقي، واكتساب هذه المهارات لا يعني بالضرورة التخلي عن مكتسبات التقنية.

علينا ملاحظة أن المتحدثة هي وزيرة التعليم في بلد متقدّم، وليست في بلد ضعيف التطور، ويعاني من تدني البنية التحتية للتعليم فيه، كي يضطر لاستخدام الورق والأقلام بديلاً للشاشات، ومع ذلك، فإن هذا البلد المتقدم استشعر، حسب الوزيرة، تراجع مهارات طلابه، ومخاطر الأمر على مستقبلهم، وحتى على مستقبل السويد نفسها، بتعبير الوزيرة، لذلك خصصت الحكومة 685 مليون كرون في ميزانيتها لتأمين كتب تعليمية للطلاب، وفرملة سياسة التحوّل الرقمي التي أدارت الظهر إلى المكتسبات والمهارات التي قدّمها التعليم الورقي لأجيال متتالية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhc6664

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"