عادي

عذب الكلام

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق
14

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

التّقسيم في علم البديع: أن يُذكرَ متعدّد، ثم يُضاف إلى كلّ من أفراده، ما له على جهة التعيين؛ وهو شكلان: أن تُستوفى أقسامُ الشّيء؛ كقول أبي الطيّب:

سأطْلُبُ حَقّي بالقَنا ومَشايخٍ

كأنَّهُمُ مِنْ طُول ما الْتَثَموا مُرْدُ

ثِقالٌ إذا لاقَوْا خِفافٌ إذا دُعوا

كَثيرٌ إذا شَدُّوا قَليلٌ إذا عُدُّوا

والثاني: أن تُذكر أحوال الشّيء، مضافاً إلى كلّ منها ما يليق به، كقول الشاعر

ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ بِه

إلّا الأذَلّان عِيرُ الحَيِّ والوَتَدُ

هذا على الخَسْفِ مَرْبوطٌ بِرُمَّتِهِ

وذا يُشِجّ فلا يَرْثي له أَحَدُ

دُرر النَّظم والنَّثر

أذَلَّ الحِرْصُ

أبو العتاهية (الوافر)

أذَلَّ الحِرْصُ والطَّمَعُ الرِّقابا

وقَدْ يَعفو الكَريمُ، إذا اسْتَرابا

إذا اتَّضَحَ الصَّوابُ فلا تَدْعُهُ

فإنّكَ قلّما ذُقتَ الصّوابا

وَجَدْتَ لَهُ على اللّهَواتِ بَرْداً

كَبَرْدِ الماءِ حِينَ صَفا وطابا

ولَيْسَ بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي

أأخْطأَ فِي الحُكومَةِ أمْ أصَابا

وإنَّ لكُلّ حادِثَةِ لوَقْتاً

وإنّ لكُلّ ذي عَمَلٍ حِسابا

وإنَّ لكُلّ مُطّلَعٍ لَحَدّاً

وإنَّ لكُلّ ذي أجَلٍ كِتابا

وكُلُّ سَلامَةٍ تَعِدُ المَنايا

وكُلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابا

وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِيرُ يَوْماً

وما مَلَكَتْ يَداهُ مَعاً تُرابا

أبَتْ طَرَفاتُ كُلّ قَريرِ عَيْنٍ

بِهَا إلاَّ اضطِراباً وانقِلاَبا

كأنَّ محَاسِنَ الدُّنيا سَرابٌ

وأيُّ يَدٍ تَناوَلَتِ السّرابا

وإنْ تكُ مُنيَةٌ عجِلَتْ بشيءٍ

تُسَرُّ بهِ فإنَّ لَهَا ذَهابا

فَيا عَجَبا تَموتُ، وأنْتَ تَبني

وتتَّخِذُ المصانِعَ والقِبابا

مَضَى عنِّي الشَّبابُ بِغَيْرِ رَدٍّ

فَعِنْدَ اللهِ أحْتَسِبُ الشَّبابا

وما مِنْ غايَةٍ إلّا المَنايا

لِمَنْ خَلِقَتْ شَبيبَتُهُ وشابا

من أسرار العربية

في الدّهاءِ وَجَوْدَةِ الرَّأي: إِذَا كانَ الرَجُلُ ذا رَأْي وتجْرِبَةٍ: داهِيَة. إذَا جال بِقاعَ الأَرْضِ واسْتَفادَ التَّجارِبَ منها: باقِعَة. إذا نَقَّبَ في البِلادِ واسْتَفادَ العِلْمَ والدَّهاءَ: نِقابٌ. إذا كانَ ذا كَيْس ولُبٍّ: عِضٌّ. إذا كانَ حَدِيدَ الفُؤادِ: شَهْمٌ. إذا كانَ صادِقَ الظَّنِّ جَيِّدَ الحَدْسِ: لَوْذَعِيٌّ. إذا كانَ ذَكِيّاً مُتَوَقِّداً مُصِيبَ الرَّأْي: أَلْمَعِيٌّ.

في ترتيب صفات الحُمْق: إِذا كانَ بِهِ أَدْنَى حُمْقٍ: أَبْلَهُ. إِذا زادَ: أخْرَقُ. فإذا كانَ بِهِ مَعَ ذلِكَ تَسَرُّع وفي قَدِّهِ طُولٌ: أَهْوَجُ. إِذا لم يكنْ لهُ رَأْيٌ يُرْجَعُ إِليهِ: مَأْفُونٌ ومَأفُوكٌ. إذا كانَ كَأَنَّ عَقْلَهُ قَدْ أَخْلَقَ وتَمَزَّقَ، فاحْتاجَ إلى أنْ يُرقَّعَ: رَقِيعٌ. إِذَا زادَ على ذَلكَ: مَرْقَعان. إذا زادَ حُمْقُهُ: بُوهَة، ويَهْفُوفٌ. إذا اشْتَدَّ حُمْقُهُ: خَنْفَعٌ وهَبَنْقَعٌ. إذا كانَ مُشْبَعاً حُمقاً: عَفِيكٌ ولَفِيك.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «احتارَ الناسُ في الأمرِ»، والصوابُ «حارَ الناسُ..»، لأن معنى حار في الأمر يَحِير، تردَّد وشكَّ. وتحيَّر يتحيّر والحائِر: الموضع يتحيّر فيه الماء. قال قيس:

تَخْطُو على بَرْدِيّتين غذاهُما

غَدِق بساحَةِ حَائر يَعْبوبِ

ويقولون: «ما زُرْتُه أبداً» والصحيح «ما زُرْتُه قطُّ»، لأن «قطّ» تؤكّد نفيَ الماضي، و«أبداً» تؤكّد نفيَ المستقبل؛ قال الفرزدق:

ما قالَ «لا» قَطُّ إلّا في تَشَهُّدِهِ

لولا التَّشَهُّدُ كانت لاءَهُ نَعَمُ

ويقولون: «بَتّ في الأَمْرِ» والصحيح «بتَّ الأَمْرَ». ويقولون: «هذه قصّةٌ شيّقة»، والصواب «شائقة، أو مشوّقة»، فلا يوجد اسم فاعل على وزن شيّق.

من حكم العرب

مَنْ غَصَّ داوى بِشُرْبِ الماءِ غَصَّتَهُ

فَكَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ قَدْ غَصَّ في الماءِ

قَلْبي حَزينٌ على ما فاتَ مِنْ زَلَلي

فالنَّفْسُ في جَسَدي مِنْ أعْظَمِ الدّاءِ

البيتان للحلّاج، يقول فيهما ماذا يفعلُ المرءُ إنْ كان دواؤه، هو داءه، كمن ذهب إلى القاضي، ليدفع عنه الظلم فكان هو ظالمه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdh9y4m6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"