غير مرغوب فيهم

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

على هامش مواجهته العسكرية، المتواصلة مع قوات الدعم السريع بلا أفق منظور لانفراج الأزمة المشتعلة، يخوض الجيش السوداني معركة هامشية مع المبعوث الأممي الألماني فولكر بيرتس. والمعركة مع الدبلوماسي الألماني ليست جديدة، فلها فصول سابقة، وإن كان منعطفها الأبرز إعلان الخارجية السودانية، الخميس الماضي، بيرتس شخصاً غير مرغوب فيه. 

 سبق ذلك، في مايو/آيار الماضي، مطالبة عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، بتغيير فولكر بيرتس، وهو حق قانوني للسودان، لكن أكبر مسؤول أممي وصف الطلب بالصدمة، مجدداً ثقته في مبعوثه.

 كان البرهان يحاول بمطالبته استباق التجديد لبيرتس، وهو ما حدث فعلاً مطلع هذا الشهر، وكان الرد السوداني اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. وفي السودان وغيره من مناطق الصراع، غالباً ما تحاط بعثات الأمم المتحدة ومبعوثوها باتهامات وشبهات من الأطراف المتنازعة. ويرتبط أسماء بعض المبعوثين إلى دول مأزومة بتأجيج الصراع فيها، والسعي بالفتنة بين الجبهات، خلافاً لما تقتضيه مهماتهم، وفي مقدمته تقريب وجهات النظر، وحث الجميع على الالتزام بما يعيد الاستقرار ويحفظ الأرواح.

 ويعتبر البرهان، وفق رسالته إلى أنطونيو غوتيريس، أن المبعوث الأممي ترك انطباعاً بعدم حيادية الأمم المتحدة واحترامها لسيادة الدول، وكان سلوكه يتسم بنسج التعقيدات وإثارة الخلافات بين القوى السياسية ما أدى إلى نشوء الصراع المسلح منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي. 

وهذه القناعة مشتركة بين قادة الجيش السوداني، ولها تجليات سابقة على بدء النزاع المسلح بعام، فصحيفة «القوات المسلحة» اتهمت فولكر بيرتس في إبريل/ نيسان 2022 بالعمل على نشر الإرهاب في البلاد. ورغم ذلك، بقي المبعوث الأممي في السودان يلتقي مع كل الأطراف، ويعمل ما يحقق مهمته المفترضة التي بدأت قبل ثلاث سنوات، وهي تحقيق السلام والانتقال الديمقراطي.

 وفي المحصلة، وقعت الواقعة، وخالفت النتائج التوقعات في صورة صراع عبثي بين طرفين رئيسيين، يتهم أحدهما المبعوث الأممي بإشعاله، ويلمّح إلى انحيازه لغريمه، ويذكّر بما يعتبره سوابق مماثلة له في سوريا والعراق.

 طبعاً، لا يمكن الوقوف على ما لدى الجهتين: الجيش السوداني، والبعثة الأممية من تفاصيل ما قبل الصراع المسلّح ولا بعده، ولا تحركات فولكر بيرتس الذي أعلن في مارس/ آذار الماضي تلقيه تهديدات بالقتل من معارضين لأداء البعثة، لكنه استبعد أن تثنيه عن الاستمرار في عمله. وهذا العمل لم يكن يوماً مبرّأً من الانحياز، حتى قبل بدء المواجهة العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما اضطر بيرتس إلى الدفاع عن نفسه في مقال كتبه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نافياً انحيازه لأحد الأطراف.

 لكن السودان لا بلغ الديمقراطية، ولا نَعم بالسلام، بل اقتيد إلى الحرب التي لا يمكن لأحد طرفيها اتهام بيرتس بإشعالها، ولو صح إسهامه في ذلك، فكثيرون غيره من السودانيين يجب أن يخرجوا معه، فهم غير مرغوب فيهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4y5d9mut

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"