إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أم اللغات
التشبيه الضّمني: تشبيهٌ لا يُذكر فيه المشبّه والمشبّه به صراحةً، بل يُشار إليهما؛ منه قولُ البُحتري:
ضَحوكٌ إِلى الأَبطالِ وهْوَ يَروعُهُم
ولِلسَّيْفِ حَدٌّ حينَ يَسْطو ورَوْنَقُ
يشبّه ممدوحه حين يتقدم إلى أعدائه ضاحكاً، بالسّيف الذي يلمع.
وقولُ أبي الطيّب المتنبّي:
وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم
ولكنْ مَعْدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
يشبّه نفسه بين قومه بالذهب الذي يكون بين التّراب. وقولُ ابن الرّومي:
وَيْلاهُ إنْ نَظَرَتْ وإنْ هِيَ أعْرَضَتْ
وَقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليمُ
يشبّه حالَ محبوبتِه إذا نظرت إليهِ، وإذا أعْرَضتْ عنه بحالِ السّهام.
دُرر النَّظم والنَّثر
لعلقمةَ بنِ عَبَدة
(من الطويل)
طَحا بِكَ قَلْبٌ في الحِسانِ طَروبُ
بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصْرَ حانَ مَشِيبُ
يُكَلِّفُنِي لَيْلى وقَدْ شَطَّ وَلْيُها
وعادَتْ عَوادٍ بَيْنَنا وخُطوبُ
مُنَعَّمَةٌ ما يُسْتَطاعُ كِلامُها
عَلى بابِها منْ أَنْ تُزارَ رَقيبُ
إِذَا غابَ عنها البَعْلُ لَمْ تُفْشِ سِرَّهُ
وتُرْضِي إِيابَ البَعْلِ حينَ يَؤُوبُ
فَلا تَعْدِلي بَيْني وبَيْنَ مُغَمَّرٍ
سَقَتْكِ رَوايا المُزْنِ حينَ تَصوبُ
سَقاكِ يَمانٍ ذُو حَبِيٍّ وعارِضٍ
تَرُوحُ به جُنْحَ العَشِيِّ جَنُوبُ
فإِنْ تَسْأَلونِي بِالنِّساءِ فإِنَّني
بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّساءِ طَبِيبُ
إِذَا شاب رَأْسُ المرءِ أَو قَلَّ مالُهُ
فليسَ لَهُ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ
يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حَيْثُ عَلِمْنَهُ
وشَرْخُ الشَّبابِ عِنْدَهُنَّ عَجِيبُ
فَدَعْها وسَلِّ الهمَّ عنكَ بِجَسْرَةٍ
كَهَمِّكَ، فيها بالرِّدَافِ خَبِيبُ
من أسرار العربية
الْفرقُ بَينَ الشَّبَهِ والشَّبيهِ، أَن الشَّبَهَ أَعَمُّ منَ الشّبيهِ؛ فنَراهم يَستعملونَ الشَّبَهَ فِي كلِّ شَيْءٍ، وقلّما يُسْتَعْمل الشَّبيهُ إلّا فِي المُتجانِسَيْن؛ تَقول: زَيدٌ شَبَهُ الأسَدِ، وَلا يَقُالُ: شَبيهُ الأسَدِ، لكن يَقولونَ: زيدٌ شَبيهُ عَمْروٍ. وبَين الْمِثْل والنِدّ؛ النِّدُّ: الْمِثْلُ والنَّظِيرُ، والْجَمْعُ أَنْدَادٌ، وهُوَ النَّدِيدُ وَالنَّدِيدَةُ، قَاْلَ لَبِيدُ:
لِكَيْ لا يَكُونَ السَّنْدَرِيُّ نَدِيدَتِي
وأَجْعَلَ أَقْواماً عُمُوماً عَماعِما
وقَاْلَ حَسَّانُ:
أَتَهْجُوهُ ولَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ؟
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
بين العِلْمِ والَيقينِ: العِلْمُ، اعتقادُ الشيءِ على ما هو، على سبيل الثقةِ، واليقينُ، سكون النفسِ، بما عُلم، ومن هنا جاء قول امرئ القيس:
بَكى صاحبي لَمّا رأى الدَّرْبَ دُونَهُ
وأَيْقَنَ أنّا لا حقانِ بِقَيْصَرا
أي أزال الشكَّ عنه.
هفوة وتصويب
نَسمَعُ من يقول: «رأسي تؤلمني» بتأنيث الرَأس، وهي خطأ، والصوّاب «يؤلمني»، لأنّ الرّأسَ مذكّر. ورَأْسُ كلِّ شيءٍ: أَعلاهُ، والجمعُ: رُؤوس وأَرْؤُسٌ. ورَأَسَ فلانٌ القومَ يَرْأَسُهم، رِئاسةً، وهو رَئِيسُهُمْ.. وفي السياق نفسه: يقولُ بعضُهم «وبحثُ المجتمعونَ الأمورَ الرئيسيّة»، وهي خطأ، والصَّوابُ «الأمورَ الرّئيسةَ»، تأنيثاً ل«رئيس» وليسَ نُسبةً لهُ. ورئيسُ القَوْم: سَيِّدُهُم. ويقال، كذلك: رَيِّسٌ، على الإدغام، قال الشاعرُ:
لا ذي تَخافُ ولا لهذا جُرأةٌ
تُهْدى الرَّعيّةُ ما استقامَ الرَّيِّسُ
ويقول بعضُهم: «تَجارُب الحياة تعلّم الإنسانَ» (بضم راء تجارب)، والصواب: كَسرُها، وكَسْرُ راء: «تجرِبة» أيضاً، لأن التجارُب: انتقالُ الجَرَبِ. وكُثُر يكتبون «إنْشاءَ الله سأفعل كذا»، بوصل حرف الشرط والفعل، وهو خطأ، لأنها تصبحُ ضميراً للفعل أَنْشأ، والصواب إنْ شاءَ الله.
من حكم العرب
سَلِ اللهَ صَبْراً واعترفْ بفراقِ
عَسى بَعْدَ بَيْنٍ أن يَكونَ تلاقي
ألا لَيْتَني قَبْلَ الفِراقِ وبَعْدَهُ
سَقاني بكَأْسٍ لِلْمَنيَّةِ ساقي
البيتان لابن ميادة، يقول إن الفراق عندي من أصعب الأمور؛ فالنفوس تذلّ للفراق وتنقاد معه لدواعي الإشفاق والاشتياق.. لدرجة أن المفارق قد يتمنّى الموت، ولا يفارق محبّيه.