عادي

عذب الكلام

23:10 مساء
قراءة 3 دقائق
2

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الإغْراق: أن يُبالِغَ الشاعرُ في شَيءٍ بِلَفْظِهِ ومَعْناه؛ كقول ابن الراونديّ:

ألَيْسَ عَجيباً بأنّي امْرؤٌ

شَديدُ الجِدالِ دَقيقُ الكَلِمْ

يَموتُ وما عَلِمَتْ نَفْسُهُ

سِوى عِلْمِهِ أنّه ما عَلِمْ

وقول كَشاجِم:

ومَريضةِ الألْحاظِ فاتِنَةٍ

نفّاثَةٍ بالسِّحْرِ في العُقَدِ

مُعْتادَةٍ لِلْهَجْرِ لَوْ غَلِطَتْ

بالوصْلِ في الأحْيانِ لَمْ تَعُدِ

ضَنّتْ بِمَوْعدِهَا فقلتُ لها:

يا هذهِ فَعِدي بأنْ تَعِدي

دُرر النَّظم والنَّثر

وسَأَلْتُ ما حَوْلي

عبدالله البردّوني

(بحر الكامل)

وسَأَلْتُ ما حَوْلي وفَتَّشْتُ الرّؤى

وغَمَسْتُ في جَيْبِ الظَّلامِ هُيامي

فَتَّشْتُ عَنْها لَمْ أَجِدْها في الدُّنا

ورَجَعْتُ والحُمّى تَلوكُ عِظامي

وأَهَجْتُ آلامي وحُبّي فالْتَظَتْ

ولَقيتُها في الحُبِّ والآلامِ

وتَهَيّأتْ لي في التّلاقي مِثْلَما

تَتَهيّأُ الحَسْناءُ للرَّسّامِ

وتَبَرَّجَتْ لي كالطُّفولةِ غَضَّةً

كَفَمِ الصّباحِ المُتْرَفِ البَسّامِ

وجَميلةٌ فَوْقَ الجَمالِ ووَصْفِهِ

وعَظيمةٌ أسْمى مِنَ الإعْظامِ

تَسْمو كأجْنِحَةِ الشُّعاعِ كأنَّها

في الأفْقِ أرواحٌ بلا أجْسامِ

لا: لا تَقُلْ لي: سَمِّها فَجمالُها

فَوْقَ الكِنايةِ فَوْقَ كُلِّ أسامي

إنّي أعيشُ لَها وفيها إنَّها

حُبّي وسِرُّ بِدايتي وخِتامي

وأُحِبُّها روحاً نَقيّاً كالسَّنا

وأُحِبّها جِسْماً مِنَ الآثامِ

وأريدُها غَضْبى وإنسانيّةً

وشُذودَ طِفلٍ واتّزانَ عِصامي

فَتَّشْتُ عَنْها وهي أدْنى مِنْ مُنى

قَلْبي: ومِنْ شَوْقي وحَرّ أُوامي

ولَقيتُها يا شَوْقُ أيْنَ لَقيتُها؟

عِنْدي هُنا في الحُبِّ والآلامِ

من أسرار العربية

في العربية يقع اسم واحد على أشياء مختلفة؛ منها «العَيْن».. عَيْنُ الشَّمْسِ، وعَيْنُ الماءِ.‏ والعَيْنُ‏:‏ النَّقد من الدَّراهم‏، والدَّنانير‏.‏ والسَّحابَةُ من قِبَل القِبْلة‏.‏ ومَطرُ أيَّامٍ لا يُقْلِعُ‏. والدَّيْدَبان، (الرقيب) والجاسوسُ. ‏ويُقالُ في المِيزان‏:‏ عَيْن، إذا رَجَحَتْ إحْدى كِفَّتَيْه على الأخرى‏.‏

والعَيْنُ‏:‏ عَيْن الرَّكيَّة‏. ‏وعَيْنُ الشَّيْء‏:‏ نَفْسُه‏. ‏وعَيْنُ الشَّيْءِ‏:‏ خِيارُه‏. ‏والعَيْنُ‏:‏ الباصِرة‏.‏ والعَيْن‏:‏ مَصدرَ عانَ يُعينُ عَيْناً‏.‏

ويُقالُ «فَعَلْتُ ذلكَ عَمْد عَيْن»، إذا تعمَّدْتهُ بِجدّ ويقين؛ قال امرؤ القيس:

أبْلِغا عنِّي الشُوَيْعِرَ أنِّي

عَمْدُ عَيْنٍ قلَّدْتُهُنَّ حَريما

ومن ذلك «الخال»‏، وهو‏ أخو الأمّ. ونوع من البُرود، والاختيال. وسَحابٌ لا يُخْلِفُ مَطَرُهُ، أو لا مَطَرَ فيه، والبَرْقُ، والكِبْرُ، والثوبُ الناعِمُ، وبُرْدٌ يَمنِيٌّ، وشامَةٌ في البدَنِ جمعها: خِيلانٌ.

ومن ذلك «الحميم»، يقع على الماء الحارِّ، والماء البارد؛ قال الشاعر:‏

فساغَ ليَ الشَّرابُ وكُنتُ قَبْلاً

أكادُ أغَصُّ بالماءِ الحَميمِ‏‏

والحميم‏:‏ الخاصُّ، والعَرَق‏.‏ والخِيارُ من الإبل.‏

هفوة وتصويب

يقول بعضُهم «هكذا أشياء مهمة وضرورية»، وهي خطأ، لأن «هكذا» تتكوّن من «ها» التنبيه، و«كاف» التشبيه و«ذا» اسم الإشارة، والصّواب «مِثْلُ هذه الأشياء..»، أو: «إن أشياء كهذه..».

ويرد كثيراً هذا التركيب «وبالتّالي أجْرَيْنا الاختبار..» وهو ركيك، لأن كلمة «التالي»، تعني الذي يأتي لاحقاً أو التابع، وليس لها معنى في هذا التركيب، والصواب «ثُمّ أجْرينا» أو «وعلى هذا.. »، أو«ومِنْ ثَمّ»..إلخ.

وللفائدة «ثَمَّ» اسم يشار به إلى المكان البعيد، بمعنى هناك، وقد تلحقه التاء فيقال «ثَمَّةَ».

أما «ثُمَّ»، فهو حرف عطف، يفيد الترتيب مع التراخي، وتلحقه التاء المفتوحة فيقال: ثُمَّتَ؛ قال شِمْرُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ:

ولقدْ مَرَرْتُ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

فمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يَعْنِينِي

من حكم العرب

إذا المَرْءُ وافى مَنْزلاً منكَ قاصِداً

قِرَاك وأرمَتْهُ لَدَيْك المَسالِكُ

فَكُنْ باسِماً في وَجْهِهِ مُتَهَلِّلاً

وقُلْ مَرْحَباً أهْلاً ويَوْمٌ مُبارَكُ

بَشَاشَةُ وَجْهِ المَرْءِ خَيْرٌ مِنَ القِرَى

فَكَيْفَ بِمَنْ يأتي بِهِ وهْو ضاحِكُ

الأبيات لشمس الدين البديوي، يقول فيها إن البَشَاشَة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ فمن بَشَّ للنَّاس وجهاً، كان عندهم بمنزلة الباذل لهم ما يملك، فرأسُ المروءة طلاقةُ الوجه، والتودُّد إلى النَّاس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck5zht9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"