اتخذت طموحات الصين العالمية منعطفاً جديداً خطراً في عهد الرئيس شي جين بينغ. تراجعت الأساليب الدبلوماسية، وركزت على الاستثمار في الأسلحة، عززت بكين تحالفها مع فلاديمير بوتين، ودعمت الحرب الروسية على أوكرانيا. يعاين هذا الكتاب شكل الحرب الباردة الجديدة بين الصين والغرب.
يقول القادة الغربيون، إنهم لا يريدون حرباً باردة مع الصين، لكن يرى الكاتب أنه فات الأوان قليلاً لذلك، فالغرب يشن في الواقع حرباً باردة أكثر تعقيداً، وأوسع نطاقاً، وأكثر خطورة من الحرب القديمة مع الاتحاد السوفييتي، وهي آخذة في الازدياد.
يعاين هذا الكتاب الجبهات العديدة لهذه الحرب الباردة الجديدة، من تايوان وبحر الصين الجنوبي إلى الحدود الهندية والقطب الشمالي والفضاء الإلكتروني.
يوضح الكاتب أنه يجب أن ينظر العالم بحرص على حقيقة صعود الصين، ويعلق على ذلك قائلاً: كثيراً ما يتهم الحزب الشيوعي الصيني منتقديه ب«عقلية الحرب الباردة». يتم استخدام التسمية لمن ينتقدون ما تقوم به في الداخل، وبحق من يملكون الجرأة على انتقاد، أو السعي إلى مواجهة، مطالبها التوسعية في جميع أنحاء العالم. من خلال هذا التعريف، فإن عقلية الحرب الباردة هي بالضبط ما تحتاج إليه الديمقراطيات الغربية والحلفاء المتشابهون في التفكير، وهم يقاومون الصين في عهد شي جين بينغ.
يقول المؤلف أيضاً: «هذا الكتاب هو قصة الحرب الباردة الجديدة في الصين. إنها قصة مختلفة عن سابقتها، فالصين أكثر ثراءً وانخراطاً في الاقتصاد العالمي، مما كان عليه الاتحاد السوفييتي. وهذا يجعل التنافس ليس أكثر تعقيداً وأوسع نطاقاً وأعمق فحسب؛ بل إنه يحتمل أن يكون أكثر خطورة. لقد حصلت الصين عبر اندماجها في الاقتصاد العالمي على عدة أدوات جديدة، لفرض التأثير لم تكن متاحة أبداً للاتحاد السوفييتي، والتي لم تتردد في استخدامها أثناء سعيها، لتصبح القوة العالمية المهيمنة.
تشارك الصين أيضاً في واحدة من أكبر التعزيزات العسكرية التي شوهدت على الإطلاق خلال وقت السلم، ومع ذلك لا يوجد أي من البروتوكولات والقليل من المعرفة المعمقة المتبادلة حول القدرات والنوايا التي كانت موجودة، ووفرت مستوى من الاستقرار خلال الحرب الباردة الماضية. لا يوجد خط ساخن نووي، وقد رفضت بكين باستمرار المحادثات حول الحد من التسلح.
ويضيف: إن سلوك الصين هو الذي يقود استجابة متأخرة من الديمقراطيات الغربية، وحذراً أوسع تجاه بكين في جميع أنحاء العالم. الحرب الباردة الجديدة في الصين لها أبعادها التكنولوجية والاقتصادية والاستراتيجية، ويتم لعبها على مستوى العالم، من بحر الصين الجنوبي إلى صحارى أفغانستان والقطب الشمالي وجبال الهيمالايا وفي الفضاء الإلكتروني. على الرغم من عدم وجود فجوة أيديولوجية حادة في الحرب الباردة الأخيرة، فإنها لا تزال تدور حول القيم الأساسية.
يأتي الكتاب مقسماً على ثلاثة أجزاء؛ تدرس الفصول السبعة الأولى التي تلي المقدمة، العديد من الجبهات، ونقاط الاشتعال للحرب الباردة الجديدة في الصين، والأدوات المتعددة التي ينشرها الحزب. يبدأ الفصل الأول بمضيق تايوان، وهو الامتداد الضيق للمياه الذي يفصل الصين عن تايوان؛ حيث أصبح خطر الصراع أعلى من أي وقت مضى منذ عقود. يقول المؤلف: «لقد شهد المضيق صراعاً في عامي 1955 و1958، فقد نظرت الولايات المتحدة في استخدام الأسلحة النووية ضد الصين، إذا حاولت غزو تايوان. أصبحت المنطقة مرة أخرى متوترة؛ حيث تجري الصين مناورات عسكرية بشكل شبه يومي. إن جيش التحرير الشعبي أقوى بكثير مما كان عليه في الماضي، وأحد الأغراض الرئيسية لتحديثه، هو الاستيلاء على تايوان، وردع التدخل الأمريكي».
يركز الفصل الثاني على بحر الصين الجنوبي؛ حيث تقول الصين إن 90 في المئة منه من أراضيها، ويرى المؤلف أن هذا الأمر يشكل حركة استيلاء على الأراضي بشكل لم يشهده العالم من قبل. يقول المؤلف: «تبرر بكين ذلك ب(حقوق تاريخية) غامضة. وحُكم على أقوالها بأنها غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو ما تتجاهله الصين. تجري الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عدداً متزايداً من دوريات (حرية الملاحة) المتوترة عبر المنطقة».
- الحدود الجديدة
ينتقل الفصل الثالث إلى جنوب شرق آسيا؛ حيث فرضت الصين نفوذها بقوة، إلى حد كبير بالوسائل الاقتصادية؛ إذ تعاملت أحياناً مع الدول على أنها تابعة لها، وطالبت بالولاء في مقابل التجارة والاستثمار والوصول إلى السوق الصينية. يعلق المؤلف هنا: «تسعى دول المنطقة إلى تحقيق التوازن بين سيادتها ورغبتها في المنافع الاقتصادية. أنفقت بكين مليارات الدولارات في المنطقة، معظمها في السكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ والبنية التحتية الأخرى التي تخدم المصالح الاستراتيجية لبكين. أصبحت المنطقة خطاً أمامياً في التنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها».
يركز الفصل الرابع على «سقف العالم» والمواجهة المتوترة بين الصين والهند على طول حدودهما المتنازع عليها. يقول المؤلف عن ذلك: «خلَّف اشتباك عام 2020 عشرين جندياً هندياً قتيلاً، وما يصل إلى 38 جندياً من جيش التحرير الشعبي؛ وذلك حينما سعت الصين إلى الاستيلاء على أراضٍ عالية في جبال الهيمالايا. وضع الاشتباك نهاية مفاجئة للعلاقات الاقتصادية المزدهرة بين العملاقين الآسيويين. كما أصبحت بكين أكثر عدوانية في التعامل مع نزاعات حدودية أخرى، لا سيما في بوتان».
يعاين المؤلف في الفصل الخامس، الحدود الجديدة للحرب الباردة في الصين، من الصراع في القطب الشمالي المتجمد إلى السيطرة على المعادن الرئيسية التي تعد ضرورية لتقنيات المستقبل، إلى جهود بكين لممارسة تأثيرها التكنولوجي عالمياً من خلال ما تسميه «طريق الحرير الرقمي». ينظر الفصل السادس إلى استخدام الصين لعالم الإنترنت المظلم، وكيف تستخدم الفضاء الإلكتروني، لتطوير مصالحها من خلال المعلومات المضللة، والتجسس والتخريب. وبذلك، تتقارب تكتيكاتها بشكل متزايد مع تكتيكات روسيا.
يبحث الفصل السابع في العلاقة الدافئة بين موسكو وبكين. أصبح الاثنان قريبين جداً من الناحية العسكرية، لدرجة أن المحللين الغربيين أثاروا قلقهم بشأن ما إذا كانوا ينسقون الأنشطة ضد أوكرانيا وتايوان. إن العداوات التاريخية عميقة، وعلاقتهما من نواحٍ كثيرة هي زواج مصلحة - ولكن ليس أقل خطورة بالنسبة له.
- حرب «المنطقة الرمادية»
يغطي الجزء الثاني الفصول من 8 إلى 11، فيركز عن كثب على تايوان؛ حيث يكون ترهيب الحزب الشيوعي الصيني في أشد حالاته فظاعة، وحيث تكون المخاطر التي يتعرض لها السلام العالمي أشد خطورة. وبنفس الطريقة يمكن اعتبار إقليم شينجيانغ بمنزلة مختبر لوسائل القمع عالية التقنية؛ لذلك يمكن اعتبار تايوان ساحة إثبات لحرب «المنطقة الرمادية» في الصين. ويعد أيضاً المكان الذي تكون فيه التكاليف المحتملة للغرباء أعلى أخلاقياً واستراتيجياً واقتصادياً.
يلقي الفصل الثامن نظرة معمقة على حرب «المنطقة الرمادية» التي تشنها الصين بالفعل ضد الجزيرة. ويشمل ذلك الترهيب العسكري والحرب الاقتصادية والمعلوماتية والهجمات الإلكترونية. تسعى الصين إلى حرمان تايوان من الفضاء الدولي، وترهيب أولئك الذين يتعاملون مع الجزيرة. حتى إن بكين سعت إلى منع تايوان من الحصول على لقاحات كورونا.
يبحث هذا الفصل أيضاً في كيفية تطور الصراع العسكري، ويعاين الفصل التاسع تاريخ تايوان ومطالبات الصين، ويبحث في أصل «سياسة الصين الواحدة» وعدم استدامتها، وهي خدعة حافظت على السلام لمدة خمسة عقود، وسياسة أمريكا؛ المتمثلة في «الغموض الاستراتيجي» بشأن الدفاع عن الجزيرة. يسعى الفصل العاشر إلى شرح سبب أهمية تايوان، ويبحث في تطور الجزيرة إلى ربما أكثر ديمقراطية جديدة نجاحاً في العالم، وكيف تحركت الصين وتايوان بسرعة في اتجاهين متعاكسين؛ من حيث التطور السياسي.
يلقي الفصل الحادي عشر نظرة على النجاح الاقتصادي الملحوظ لتايوان. كما يركز على أهميته، باعتباره حيوياً في الاقتصاد العالمي، خاصة بالنسبة للتكنولوجيا المتقدمة؛ حيث يهيمن على إنتاج المعالجات الدقيقة المتطورة.
- مواجهة بكين
يبحث الجزء الأخير من الكتاب في تزايد المناورات المتبادلة والجيوسياسية في الوقت الذي تتراجع فيه الديمقراطيات الغربية. يعاين ويقيّم الكاتب الاستراتيجيات التي يتم استخدامها وتطويرها، لمواجهة بكين، إضافة إلى غموض السياسة الغربية. كما يتساءل عمّا إذا كانت بكين قد وصلت الآن إلى ذروة قوتها، مع ظهور تصدعات في استراتيجيتها العالمية، وهي إلى حد كبير من صنع يديها.
في الفصل الثاني عشر، يتناول المؤلف دور اليابان، المحظورة دستورياً من امتلاك جيش، لكنها عملياً واحدة من أقوى الدول في آسيا. يتزايد الحديث بصراحة عن العدوان الصيني، بما في ذلك حديث بكين عن الجزر التي تسيطر عليها اليابان، وأمن تايوان. لقد أصبح لاعباً أساسياً، لكنه أقل من قيمته الحقيقية. يلقي الفصل الثالث عشر نظرة على سياسة بريطانيا المتطورة، لكن المشوشة تجاه الصين؛ حيث تسعى لندن إلى إيجاد دور جديد في العالم، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لقد حددت لندن بكين باعتبارها تهديداً أمنياً كبيراً -«منافساً منهجياً»- لكنها تعتقد أن بإمكانها متابعة علاقات تجارية واستثمارية أعمق، على الرغم من أن بكين لم تتردد في استخدامها للإكراه في مكان آخر.
يلقي الفصل الرابع عشر نظرة على تجارب أستراليا وليتوانيا. استهدفت كلاهما بكين بالتهديدات والعقوبات الاقتصادية - أستراليا بعد الدعوة إلى تحقيق مستقل في أصول كورونا، وليتوانيا للسماح لتايوان بفتح مكتب دبلوماسي في فيلنيوس تحت اسمها. كلاهما وقف بحزم في مواجهة هذا التنمر. يسأل الكاتب عمّا إذا كان بإمكانهما تقديم نموذج للوقوف في وجه بكين.
يسعى الفصل الخامس عشر إلى استخلاص استنتاجات حول كيفية تطور هذا التنافس، والطرق الأكثر فاعلية لمواجهة بكين، مع تجنب «الحرب الساخنة» أيضاً. كما أنه يطرح السؤال عمّا إذا كنا قد نشهد الآن «ذروة الصين»؛ حيث تواجه البلاد رياحاً اقتصادية معاكسة في الداخل، وعالماً مستعداً بشكل متزايد للتراجع. هناك أدلة كثيرة تدعم ذلك، لكن ذروة الصين قد تكون أيضاً بلاداً أكثر خطورة. يختتم المؤلف العمل بتداعيات كورونا وتقييم أكثر شمولاً لتأثير الحرب في أوكرانيا.