استكمالاً لمقال الأسبوع الماضي «الفنان.. حالة وفكر»، أقول: الفنان قيمة فكرية ومادية أيضاً، قيمة إنسانية وعاطفية، والفنان خاض الكثير حتى يخرج لنا نسخة متمكنة من نفسه وما يقدمه لمجتمعه والعالم، وهو الصورة التي تترجم كل ما مر به من مخاضات حياتية نفسية واجتماعية، بلورت وجوده وقيمه وانتماءه، وأصبح ذا رموز خاصة وقصة متجذرة في أعمال ما يحيط به، ومنطلقاً إلى آفاق أبعد من تصور بعضهم وأعمق من خيالات واعتقادات محدودة؛ فكيف يا سادة نعرض فن فنانينا؟
بعضهم وليس الجميع، حتى لا نكون سوداويين، نحن الفنانين: الفنان يتلقّى الكثير من الطلبات، الاتصالات التي يتمنّى أحياناً لو أنّ المتصل لم يتصل به أو يزعج نفسه بكلماته التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يحزننا أن يقال لنا: أنت ماذا تفعل أو تقدم؟ إذن كيف عرفت أنه فنان، مجرد بحث في «غوغل» وتنطلق الأسماء، الفنان ليس محل أدوات، أو صاحب حرفة تجلسه على زاوية معرض أو حدث يقدم رسماً أو كتابة على المارين، لنتقن فكر البحث والعرض، لنتقن فكر التقديم والسرد، فمن حق فنان مارس حقه في التعب والانعزال، أن يكون له احترامه في عرضه أمام الجمهور؛ ولكل من يتواصل مع فنان قدير أقول: أتقن فن التعرف إلى قيم هؤلاء، فهم إرث جميل نحتفظ به ضمن حضارتنا وتطورنا، فليس لك أن تخبره أنك تحتاج إليه لحدث كبير، وحين الجد فقط هو في زاوية لك لتخبر غيرك أننا نروّج للفن والهوية.
أيها الطارقون لأبواب الفنانين، إن لم تستطيعوا أن تظهروهم وفنهم باحترافية عالمية، وبصورة مدروسة وذات أثر وبصمة، وإن لم تكونوا قادرين على أن تجعلوهم الحدث الأهم والأبرز فيما تقدمون، فرجاء لا تطرقوا أبوابهم ولا تشغلوا بالهم ولا تحزنوا قلوبهم بقلة الفهم والجهل، وقصصكم الواهية عن التقدير، ولا تقولوا بعد الاعتذار «قدمنا له ورفض، لا يستحق»، معذرة فأنت لا تعرف من يستحق ومن لا يستحق، فأنت مجرد مؤسسة أو اسم في تجارة الأسواق والظهور على حساب الناس الحقيقيين الذين يستحقون غيرك.
أيها الفنان، تعلم أن تكتب قصة نجاحك، أن تسرد قصتك، أن تخبر المار والمتصل والطارق، أن الفن أسلوب ومنهج وفكر وقيمة، وأن الظهور ليس حاجة ملحّة إن لم تخدم حقيقة فنك، وأن البقاء خلف الأبواب أحياناً أفضل من فقاعات الأبواب المطروقة، والتريّث حتى تكون ذا قيمة معلنة «وجهة نظر شخصية» أهم وأبقى من فكرة التكرار وتحصيل الحاصل في كل مكان، لكل فنان احترم نفسه وفنه، نرفع له قبعة الاحترام، ونعرف معاناته وقصته، وهي التي تستحق دوماً قلب الحدث..!
[email protected]