تقع على عاتق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واجبات تجاه بعضها بعضاً، بشأن حماية اللاجئين، إذ إن هناك تناقضاً بين الالتزام بالتضامن المنصوص عليه في قانون الاتحاد الأوروبي وواقع توفير اللجوء لديه. وكشفت الأحداث المتعلقة ب«أزمة الهجرة» في الاتحاد الأوروبي في 2015/ 2016 عن هذا التناقض. ويلقي هذا الكتاب نظرة معمقة على كيفية تحسين التعاون بين الدول الأوروبية في قضية حماية اللاجئين والموقف الأخلاقي منهم.
يجادل الكتاب بأن الجدل حول العدالة التوزيعية في الاتحاد الأوروبي فشل في اعتبار حماية اللاجئين مجالاً تنطبق فيه واجبات التوزيع بطرق مشابهة للمجالات الأخرى، مثل السياسة الاجتماعية، فضلاً عن استكشاف التبريرات التي تتذرع بها الدول لتبرير عدم الامتثال لواجباتها. وتؤكد إليونورا ميلاتسو، أن النقاش حول أخلاقيات حماية اللاجئين فشل في تفسير طبيعة وتأثير الروابط النقابية بين الدول في ما يتعلق بتوفير اللجوء، وهو أمر مهم لتقييم التهرب من المسؤولية.
وتشير الكاتبة إلى أن «قراءة الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، لجذور التحديات المرتبطة بالهجرة القسرية في أوروبا في منتصف القرن العشرين، تتحدث عن حقيقة ما تسمى ب(أزمة اللاجئين) الأوروبية. وغالباً ما تم اعتبارها غزواً، إذ أدى وصول 1.3 مليون طالب لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في عامي 2015 و2016 إلى إشعال أزمة سياسية أفضت فعلياً، إلى انهيار نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وتم تعريف رفض النهج المشترك من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأنه أحد أكثر أعراض سوء الاندماج وضوحاً، في هذا المجال. والأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن (أزمة اللاجئين) مثلت أزمة أخلاقية، وفشلاً صارخاً في متابعة مطالب العدالة في الاتحاد الأوروبي، وخارج حدود دوله الأعضاء. وإن التوترات بين الدعوات، إلى التضامن على مستوى الاتحاد الأوروبي من ناحية، ومن ناحية أخرى، السلوك الفعلي للدول التي تضع مصالحها الوطنية أولاً، كشفت عن انقسامات قوية في ما يتعلق بأهمية الاتحاد الأوروبي كمعيار، فضلاً عن الفضاء التنظيمي والسياسي».
وترى الكاتبة أن الاستجابة الأوروبية لتدفق طالبي اللجوء في الفترة 2015-2016 والمحاولات اللاحقة لجعل عمل نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي تثير عدداً من الأسئلة مفادها: كيف لنا أن نفهم الإشارات والنداءات للتضامن بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؟ هل لديها واجب أخلاقي خاص لتقاسم التكاليف المرتبطة بتوفير اللجوء الذي يختلف عمّا نفهمه على أنه واجبات عامة للتعاون بين الدول على مستوى العالم؟ ماذا لو أثرت الخيارات السياسية لبعض الدول الأعضاء في ما يتعلق باللجوء سلباً في أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين؟ إذا كان ما نواجهه هو مشكلة تنظيم سياسي، يجب أن نفكر بشكل أكثر عمقاً في الواجبات بين الدول داخل الاتحاد الأوروبي، وهو كيان اعتبره الكثيرون شكلاً سياسياً فريداً.
يحدد هذا الكتاب المبادئ التنظيمية المقبولة من الناحية المعيارية والممكنة عملياً لنظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وعلى وجه التحديد، تقوم الكاتبة بتطوير إطار معياري جديد لتحديد الواجبات التي يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتحملها تجاه بعضها بعضاً، من أجل معالجة المظالم الناشئة عن إطار عمل اللجوء الراهن. ووفقاً لواجب العمل التضامني، تجد المؤلفة أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مدعوة إلى المشاركة العادلة في مسؤولية حماية اللاجئين.
وتوضح المؤلفة أيضاً أن التحليل في هذا الكتاب مدفوع بظاهرة تجريبية ملحّة، وهي فشل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في التعامل بشكل مناسب مع القضايا طويلة الأمد في استقبال اللاجئين، وحمايتهم، وكذلك من خلال المخاوف النظرية المميزة التي أثارها الافتقار إلى المبادئ التوجيهية المعيارية لتحديد الواجبات. وتقول: «في ظل عدم وجود مبادئ توجيهية معيارية لتحديد الواجبات بين أعضاء مؤسسة إقليمية تتميز بالتجميع الجزئي للسلطات التقليدية للسيادة، فإنه يهدف أيضاً إلى إثراء المناقشات السياسية الحالية من خلال اقتراح ما تدين به الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لبعضها، عندما يتعلق الأمر بحماية طالبي اللجوء واللاجئين».
وتسعى المؤلفة في هذا العمل إلى مخاطبة كل من يهتم بحماية اللاجئين والاندماج في الاتحاد الأوروبي، كما تدعو إلى تحفيز التفكير والمناقشة حول مسائل العدالة، وكشف النقاب عن مطالبات ومناشدات أخلاقية في المحادثات السياسية اليومية حول إدارة اللجوء الأوروبي.
الالتزام والواقع
تنبع المشكلة المعيارية المركزية من التناقض بين الالتزام بالتضامن المنصوص عليه في قانون الاتحاد الأوروبي وواقع توفير اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وتوجز المؤلفة هذه المشكلة بالتالي: خلال اجتماع المجلس الأوروبي الذي عقد في تامبيري في عام 1999، التزمت الدول الأعضاء بالعمل من أجل إنشاء نظام لجوء أوروبي مشترك، تنفيذاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن وضع اللاجئين. وفي نتائج اجتماع المجلس الأوروبي، تم الإعلان بوضوح أن هذا الهدف المشترك يجب تحقيقه «على أساس التضامن بين الدول الأعضاء» (المجلس الأوروبي 1999). وفي وقت لاحق، وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على توجيه المجلس (توجيه الحماية المؤقتة)، مع الالتزام باستجابة جماعية في حالة التدفقات الكبيرة لطالبي اللجوء، والتي تم تشغيلها لأول مرة على مدى 20 عاماً، بعد اعتمادها للاستجابة للنزوح من أوكرانيا عقب العملية العسكرية الروسية الخاصة في فبراير/ شباط 2022. وبعد فترة وجيزة، قدمت لائحة دبلن الثانية (رقم 343/2003)، التي حلت محلها لائحة دبلن الثالثة (رقم 604/203) معايير وآليات لتحديد مسؤولية الاستلام ومعاينة طلبات اللجوء. وتم تعزيز التعاون من أجل إدارة تدفقات الهجرة من خلال النظام المشترك لمراقبة الحدود الخارجية في منطقة شنغن، وإنشاء وكالة فرونتكس التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2004. وقد أقر الالتزام بالتكامل والتعاون في هذا المجال بموجب معاهدة العمل الاتحاد الأوروبي والتي بموجبها يجب أن تحكم سياسات اللجوء في الاتحاد الأوروبي وفقاً لمبادئ التضامن والتقاسم العادل للمسؤوليات.
وتعلق الكاتبة على ذلك قائلة: «ومع ذلك، فإن تنفيذ الالتزامات بالتضامن وتقاسم المسؤولية لم يؤد إلى النتائج المتوقعة. إن مبدأ بلد الوصول الأول الذي أرسته لائحة دبلن عهد بشكل غير عادل بإدارة تدفقات الهجرة إلى عدد قليل من الدول الأعضاء في الخطوط الأمامية في الاتحاد الأوروبي والتي هي أسوأ نسبياً، مثل إيطاليا واليونان. وأعاقت الفوائد المحتملة للتبنّي الطارئ لخطة إعادة التوطين في خضم حالة الطوارئ لعام 2015 زيادة اللجوء إلى الإجراءات الأحادية الجانب من قبل الدول الأعضاء المنفردة. وقرر البعض منهم، مثل ألمانيا والسويد، تعليق لائحة دبلن مؤقتاً، بينما أغلق البعض الآخر، مثل المملكة المتحدة والمجر، حدودهم. بينما كان على الدول الأعضاء في الخطوط الأمامية مواجهة تدفق الهجرة المتزايد، فقد لجأت أيضاً إلى تدابير مخصصة وأحادية الجانب للتعامل مع حالة الطوارئ. وشمل ذلك السماح لطالبي اللجوء بعبور أراضيهم من دون تسجيل وصولهم حسب الأصول، والتهرب بحكم الأمر الواقع من مسؤولية الحماية. باختصار، تم إهمال جوهر المادة 80 للاتحاد الأوروبي، أي التزامها بالتضامن والمشاركة العادلة، وتم التشكيك في جوهر المفهوم الناشئ عن تضامن الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك أن هذا لم يكن مجرد عرض من أعراض سوء الاندماج، بل كان أيضاً فشلاً أخلاقياً واضحاً.
واجبات الدول الأوروبية
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء توضح خطوات التحليل المعياري التطبيقي للانتقال من مضامين مبادئ العدالة إلى شروط عدم الامتثال، وأخيراً، إلى مقترحات لخطوات عملية لمعالجة المشكلة في ظل ظروف العالم الحقيقي. ويطور الجزء الأول نظرية العدالة لسياسات اللجوء في الاتحاد الأوروبي التي تجمع بين الواجبات الدولية تجاه طلب اللجوء وواجبات التضامن بين الدول الأعضاء، ويضم ثلاثة فصول.
وفي الفصل الأول، تتناول الكاتبة مسألة الواجبات العامة المتبادلة للدول تجاه بعضها بعضاً في ما يتعلق بحماية اللاجئين، وتحدد من يجب اعتباره من اللاجئين ولماذا يقع على عاتق الدول التزامات تجاههم، ثم تعاين أساس المسؤولية الجماعية للدول بشأن الوفاء بهذه الالتزامات. وكخطوة ثالثة، تحدد التحديات الأخلاقية والعملية التي تنطوي عليها الطريقة التي يتم بها الاضطلاع بهذه المسؤولية الجماعية تجاه اللجوء من خلال تعيين واجبات كاملة للدول.
وتتناول المؤلفة في الفصل الثاني السؤال عن سبب وكيفية تعديل عضوية الاتحاد الأوروبي لطبيعة الواجبات المتبادلة للدول في مجال منح اللجوء. وترى الكاتبة أن الاتحاد الأوروبي له أهمية خاصة في تطوير مفهوم العدالة التوزيعية خارج النطاق المحلي، وعلى وجه الخصوص، في ما يتعلق بتوفير اللجوء. وتجد أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تمتلك مجموعة إضافية من الواجبات في ما بينها في هذا المجال، بما تتجاوز المهام العامة التي تقع على عاتق جميع الدول تجاه بعضها بعضاً.
وتنتقل المؤلفة في الفصل الثالث إلى تحديد محتوى هذا الواجب الإضافي الذي تشير إليه على أنه واجب العمل التضامني، وتؤكد أن هذا واجب العدالة التوزيعية، ويتطلب كلاهما التخصيص العادل للتكاليف والفوائد المرتبطة باللجوء. وعلى وجه التحديد، ترى أن واجب العمل التضامني يتطلب إجراءات في شكل تجميع الموارد وإعادة توزيعها بهدف تحقيق عتبة الاكتفاء في مستوى الحماية.
الشجب الأخلاقي
بعد تحديد ما تتطلبه العدالة في السياق المحدد للاتحاد الأوروبي، يبحث الجزء الثاني في الظروف غير المثالية لفشل الدولة في الامتثال لمتطلبات العدالة. وتدرس الفصول في هذا الجزء ما يعنيه خرق واجب العمل التضامني، وتحديد الطرق التي تنتهك بها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حالياً هذا الواجب، وتحديد ما إذا كان الانتهاك مجرد شكل من أشكال الانتفاع المجاني، أو ما إذا كانت هناك مشكلات أخلاقية إضافية تنشأ.
وفي الفصل الرابع، تركز المؤلفة على قضية عدم الامتثال للواجب الجديد والوسيط والترابطي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتبدأ المؤلفة بتعريف فشل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الوفاء بالواجب للعمل في تضامن ك«التهرب من المسؤولية». هذا المصطلح مقنع، أولاً، لأنه يشير إلى انتهاك واجب (أو مسؤولية) ناقصة، مثل واجب العمل في تضامن. ثانياً، يُستخدم هذا المصطلح في ما يتعلق بالنقاش حول سياسات التخارج في الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى تحويل ضغط الهجرة بعيداً عن الدول الأعضاء (وهو ما تسميه المؤلفة التهرب من المسؤولية الخارجية). هنا، بدلاً من ذلك، تستخدم مفهوم التهرب من المسؤولية للإشارة إلى البعد الداخلي، أي تحويل المسؤولية من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى دولة أخرى. ثم توضح لماذا، بناءً على مناقشتها، أن الأفعال التي تعرّفها على أنها «تهرب من المسؤولية الداخلية» هي حالات ظاهرة للامتثال لواجب العمل التضامني.
ويأخذ الفصل الخامس في الاعتبار ما إذا كانت حالات التهرب من المسؤولية التي حددتها المؤلفة خاطئة دائماً، وبشكل قاطع من الناحية الأخلاقية. بعبارة أخرى، تسأل المؤلفة عما إذا كانت جميع حالات الفشل في العمل تضامنياً تستحق الشجب الأخلاقي، على حد سواء. هل هناك أي ادعاءات لها قوة تعويضية فعالة ضد الالتزام بالعمل التضامني؟
ويتكون الجزء الثالث من فصل واحد، وهو السادس في ترتيب الفصول ضمن الكتاب، ويأخذ في الاعتبار ما يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اقتربت من أداء نصيبها العادل أن تفعله في مواجهة تنصل الآخرين من المسؤولية. وعلى وجه الخصوص، تسأل الكاتبة هنا عما إذا كان على هذه الدول واجب تحمّل الأزمة حتى يتم منح الحماية الفعالة لأكبر عدد من اللاجئين، وكيف يمكننا تطوير سياسات للاستجابة للظروف الواقعية غير المثالية.
وتطالب المؤلفة في الخاتمة، بأخلاقيات اللجوء متعددة الطبقات، والتحول من الواجبات الإنسانية إلى واجبات المسؤولية المشتركة بين الدول، والتعامل مع اعتراضات تلك الدول التي لا تمتثل. وتقترح أيضاً ثلاثة إصلاحات مؤسسية وسياسية: آلية ما قبل التوزيع لتحل محل مبادئ تخصيص دبلن؛ وأدوات إعادة التوزيع الإلزامية التي تغطي جميع الأبعاد المادية والعملية للاستلام والتكامل؛ وتحويل مبدأ التضامن في الاتحاد الأوروبي إلى واجب ملزم قانوناً يسمح بمعاقبة التهرب من المسؤولية. ويتناول القسم الأخير العقبة السياسية الرئيسة أمام مثل هذه الإصلاحات الطموحة، وهي الافتقار الواضح للدعم الديمقراطي لها بين مواطني الاتحاد الأوروبي، ويقترح بعض الطرق للتغلب عليها.