إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أم اللغات
الطّباقُ، هو الجمعُ بَيْن مُتقابلَيْن، أي أن تكونَ في الجُملةِ كلمتان كُلٌّ مِنْهُما عَكْسُ الأخرى؛ منه قولُ السَّريّ الرّفّاء:
إنَّ هذا الرَّبيعَ شَيْءٌ عَجيبٌ
تَضْحَكُ الأرْضُ مِنْ بُكاءِ السَّماءِ
ذَهَبٌ حَيْثُما ذَهَبْنا ودُرٌّ
حَيْثُ دُرْنا وفِضَّةُ في الفَضاءِ
الطّباقُ: بَيْنَ الضَّحِكِ والبُكاء، والأرْضِ والسَّماء.
وقولُ الفَرَزْدَق:
والشَّيْبُ يَنْهَضُ في الشّبابِ كأنّه
لَيْلٌ يلوحُ بِجانِبَيْه نَهارُ
بَيْن الشَّيْب والشّبابِ واللَّيْل والنّهار.
وقولُ السَّمَوْأل:
وما ضَرَّنا أنّا قليلٌ وجارُنا
عَزيزٌ وجارُ الأكْثرينَ ذَليلُ
بَيْن قَليل والأَكْثرين، وعَزيز وذَليل
دُرَرُ النّظْم والنّثْر
أقولُ مَلِلْتها
محمّد مَهْدي الجواهري
(بحر الوافر)
أقولُ مَلِلْتها.. وأَعودُ شَوْقاً
كأنّي ما عَشِقْت.. ولا مَلِلْتُ
بَلى وكأنَّني لَمْ أَثْنِ مِنْها
أَماليدَ الغُصونِ.. ولا أَمَلْتُ
ولا سالَتْ بأكؤسِها دِهاقاً
مُعَطَّرَةَ الحِفافِ.. ولا أَسَلْتُ
ولَمْ أَعكُفْ على مَرْضَى جُفونٍ
ولَمْ أبْرأ بِهنّ.. ولا اعْتَلَلْتُ
مَضَتْ عَشْرٌ وعامانِ اسْتَقلّا
وما اسْتَعْفَيْتُهَنَّ.. ولا اسْتَقَلْتُ
تَقَوَّلَ ما يَشاءُ خَبيثُ طَبْعٍ
بَلوْتُ طِباعَهُ حتّى كَلَلْتُ
بأَنّي حُوَّلٌ.. إنْ أعْوَزَتْني
على المَلّات أَعْذارٌ.. أحَلْتُ
وأنّي ما طَلَعْتُ على صِحابٍ
أُسَرُّ بقربِهِمْ.. إلّا أَفَلْتُ
مَعاذَ اللهِ.. والخُلُقِ المُصَفّى
وحُرّةِ طينَةٍ منها جُبِلْتُ
ولكنّي وجَدْتُ الوُدَّ سوقاً
يُرادُ بها تِجارٌ فاعْتَزَلْت
فَمِنْ خَتْلٍ رُمِيتُ وما خَتَلْتُ
وعَنْ جُبْنٍ خُذِلْتُ.. وما خَذَلْتُ
خَبَرْتُ النّاسَ والأيّامَ حتّى
يَدايَ كَليلَتانِ بما نَخَلْتُ
من أسرار العربية
في تَّقْسِيمِ أشياء مختلفة: حَسَبٌ لُبابٌ. مَجْدٌ صَمِيم. عَرَبيٌّ صَرِيحٌ. ذَهَبٌ إبرِيزٌ. ماءٌ قَرَاحٌ. لَبَنٌ مَحْضٌ. خُبْزٌ بَحْتٌ. شَرَابٌ صَرْدٌ، دَمٌ عَبِيطٌ. يَوْمٌ مُصَرِّحٌ (إذا كَانَ خالِصاً مِنَ الرِّيحِ والسَّحابِ). رَمْلٌ نَقَحٌ (إذا كانَ خَالِصاً مِنَ الحَصَى والتُّرَابِ). مارِج مِن نارٍ (إِذا كانَتْ خالِصَةً مِنَ الدُّخانِ). دَقِيقٌ مُحَوَّر. مَاء مُصَفَّق. شَراب مُرَوَّقٌ. كَلام مُنَقَّح. حِساب مُهَذَّب. كَذِب سُماقٌ (إِذا كَانَ خَالِصاً لا يُخَالِطُه صِدْق)؛ قال القُلاخُ بنُ حَزن:
أَبْعَدَكُنَّ اللهُ مِنْ نِياقِ
إنْ لَمْ تُنَجِّينَ مِنَ الوِثاقِ
بأرْبَعٍ من كَذِبٍ سُماقِ
وفي إخْصِاصِ الشيْء ِبِبِعْض مِنْ كُلِّهِ: سَوادُ العَيْنِ. سُوَيْداءُ القَلْبِ. مُحُّ البَيْضَةِ. مُخُّ العَظْمِ. زُبْدَةُ المَخيضِ. سُلافُ العَصِيرِ. قُلْبُ النَّخْلَةِ. لُبُّ الجَوْزَةِ. واسِطَةُ القِلادَةَ أو العِقْدِ.
هفوة وتصويب
تردُ كثيراً مثل هذه العبارة «أنت بمَثابة أخي»، أو «هذا الأمر بمثابة معضلة..» إلخ، وهي خطأ، والصّواب «أنت بمنزلة أخي» أو «بمكانة أخي»، و«هذا الأمر معضلة»؛ لأنّ مَثَابَ البِئْرِ: مَقامُ السَّاقِي، أو وَسَطُها. ومَثابَتُها: مَبْلَغُ جُمُومِ مائِها، وهي المكان الذي يجتمع النّاس فيه بعد تفرّق. قال الشاعر:
وما لِمَثاباتِ العُروش بَقيَّةٌ
إذا استُلَّ مِنْ تَحْتِ العُرُوشِ الدَّعائمُ
وكثر يستخدمون وصف «الوريث» لمن يرث شيئاً، والصواب «الوارث»؛ يقال وَرِثَ: مال أبيه ثم قيل: «وَرِثَ» أباه «يَرِثُهُ»، قيل «وَرِثَ» منه، والفاعل «وَارِثٌ» والجمع «وُرَّاثٌ»، و«وَرَثَةٌ».
* من حكم العرب
ولا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ
بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا
فَفِي الحِلْمِ خَيرٌ مِنْ أُمورٍ كَثيرةٍ
وفِي الجَهلِ أَحياناً إِذا ما تَعَذَّرا
البيتان للنابغة الجعدي، يقول إذا كان حلمك داعياً إلى ظلمك، فإنّ من الحلم أن تجهل؛ لأنّ الحِلْم إنّما يُلجأ إليه لتدارك الشرّ، فإذا تفاقم به الشرّ ولم يتدارك إلّا بالجهل، كان الجهل حِلْماً.