كان محمود مدني يكتب مقالته على ورق الجريدة في الخليج، حين تولّى رئاسة القسم الثقافي في أواسط ثمانينات القرن العشرين. ويقول من عمل إلى جانبه القاصّ والمسرحي والصحفي الاحترافي نواف يونس، إنه كان يكتب مقالته «على نفس واحد»، من دون أي شطب أو انحراف في خط يده الدقيق الناعم بالحبر الأسود.
كان عند محمود مدني (الكاتب الروائي السوداني) عادة معروفة ومتداولة في الوسط الثقافي الإماراتي في الثمانينات.. كان يكتب بيده اليمنى، فيما يده اليسرى وهو يكتب، لا تفارق مقدم رأسه، حيث يعبث طيلة الوقت بشعره وهو مستغرق في الكتابة، لا بل كان دائماً مستغرقاً في الكتابة، وفي الوقت نفسه، مشدوداً كلياً إلى العبث بشعر رأسه..
كان محمود مدني رئيس القسم الثقافي في جريدتنا الخليج، في أواسط ثمانينات القرن العشرين، كاتباً روائياً غزير الثقافة بلغتين عربية وإنجليزية، غير أن الكثير من نتاجه الروائي لم يطبع في كتب، فما عدا رواية واحدة قام بنشرها المثقف والناشر بدران المخلف الذي عايش فترة ثقافية حيوية في الإمارات هي فترة الثمانينات.
وممّن يكتبون «على نفس واحد» أيضاً، لا يغيب عن الذاكرة، الشاعر والكاتب الصحفي البارع خيري منصور الذي كان هو الآخر يكتب بحبر أسود سائل، ولا يتوقف عند فكرة أو جملة، بلا شطب أو مَيَلان في الخط، خط يده..
الكتابة على هذا النحو التدفقي التسارعي، بلا شطب ولا تلكؤ ولا تذبذب في خط القلم أو في خط اليد، تعني أن الفكرة جاهزة تماماً وواضحة تماماً أيضاً في ذهن الكاتب. فهو يعرف جيداً عمّ يكتب، ولماذا يكتب، وكيف يكتب، وكم في مقالته من معلومات، ودقة، وتماسك كتابي، وموقف مبدئي وأخلاقي.
حين تكون «الطبخة» مُتَبّلة ومملحة ومُرتَّبة، فهي لا تحتاج إلى الكثير من النار، كما لا تحتاج إلى هندسة،.. و«الطبخة» هي الفكرة، ثم الكتابة بانسياب مائي مثل جريان النهر.. لا شطب، ولا «كوريكتر أبيض» فوق الكلمات، كأن الكاتب يريد أن يخفي جريمة..
[email protected]
https://tinyurl.com/yd7s2w8f