قاوم الاقتصاد الأمريكي التوقعات المستمرة بالركود الوشيك وعمل بجد على مواجهته، ولكن رغم ذلك يرى خبراء في «وول ستريت»، بأن هناك ظاهرة أخرى تطفو على سطح المشهد، أطلقوا عليها اسم «ركود الثراء». ففي النصف الأول من عام 2023 توالى ربعان من النمو الإيجابي، كما أن سوق العمل القوي والإنفاق الاستهلاكي المرن، يبشران بالخير للأشهر المقبلة.
والناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس السلامة العامة للاقتصاد، ارتفع أكثر من المتوقع في الربع الثاني، بجانب أن سلسلة رفع أسعار الفائدة الفيدرالية لم تتسبب بعد في الانكماش.
وبعد أكثر من عام من توقع الركود، تراجع بعض الخبراء عن تلك التنبؤات السابقة، وتبنوا فكرة الهبوط السلس بالاقتصاد، أو حتى «الركود المتداول»، أي عندما تتناوب قطاعات الاقتصاد الانكماش بدلاً من أن يضرب الاقتصاد جميعاً في وقت واحد.
وبحسب معطيات الاقتصاد الحالية، فإن «ركود الثراء» ربما يكون الوصف الأكثر دقة؛ لأن فقدان الوظائف حتى الآن أثر، بدرجة متفاوتة، في موظفي المناصب العليا.
وهو ما يؤكده حديث توماس فيليبسون، أستاذ دراسات السياسة العامة في جامعة شيكاغو والرئيس السابق بالنيابة لمجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين، والذي قال إن في معظم فترات الركود، ترتفع البطالة بنسبة أكبر وسط الفئات ذات الدخل المنخفض، وعلى الرغم من أننا لسنا في حالة ركود شامل حتى الآن، إلا أن الطلب على الفئات ذات الدخل المنخفض تفوق الطلب على الفئات ذات الدخل المرتفع.
وشهدت بداية العام موجات من تسريح العمال، حيث أعلنت جهات عمل عن خطط لإلغاء 481906 وظائف في الشهور السبعة الأولى؛ بزيادة 203% من التخفيضات البالغة 159021 في ذات الفترة من العام الفائت؛ بحسب متابعين لحالة التوظيف بالعالم.
وتعرضت بعض القطاعات، مثل البنوك والتكنولوجيا، لضربة قوية بشكل خاص، كما أن موجة التسريحات في «وول ستريت»، في وقت سابق هذا الصيف، أثارت مخاوف من أن الركود لا يزال يلوح في الأفق، بسبب فقدان الوظائف المتخصصة.
ولكن لا يزال هناك عدد كافٍ من العمالة لملء الوظائف الشاغرة في قطاع الخدمات، ولا يزال معدل البطالة بالقرب من أدنى مستوى له منذ 50 عاماً؛ عند 3.5% فقط.
- المستهلك
يرى بعض الخبراء أن الوظائف العليا، ربما لا تكون وفيرة كما كانت العام الماضي، لكنها لا تزال موجودة. وحتى لو بدا أن هذه الفئة من الوظائف في تراجع، فهذا لا يعني أن الاقتصاد ككل يعاني، بل على العكس من ذلك يشير معظم البيانات الحالية إلى أنه على الرغم من الظروف العديدة المعاكسة، فإن الاقتصاد الأوسع يعمل جيداً بشكل ملحوظ، حتى مع أخذ جميع الجوانب في الحسبان.
ولكن بغض النظر عن الوضع الاقتصادي للبلاد، يشعر العديد من الأمريكيين بإرهاق ارتفاع الأسعار، وقد استنفد معظمهم مدخراته، ويعتمد الآن على بطاقات الائتمان لتغطية نفقاتهم.
وتشير عدة تقارير إلى تدهور الوضع المالي؛ فعلى الرغم من أن الأمريكيين الأثرياء، ليسوا في وضع معاناة، إلا أن ديون بطاقات الائتمان في أعلى مستوياتها على الإطلاق، و61% يعيشون على رواتبهم؛ ويرى المحللون أن هذه علامات على ضائقة مالية.
وأشار هؤلاء المحللون إلى أن عادة في الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن حدوث الركود، يكون الانتعاش ما زال قائماً.