أثارت تصريحات أخيرة لبابا الفاتيكان غضب أوكرانيا، ففي رسالة مصورة لجمع من الشباب الكاثوليك الروس، أشاد البابا بالإرث الإمبراطوري «لروسيا العظمى»، وقال مخاطباً أولئك الفتيان: «أنتم أبناء روسيا العظمى، أبناء قديسين عظماء، أبناء ملوك، أبناء بطرس الأكبر وكاترين الثانية وأبناء شعب روسي يتمتّع بثقافة عظيمة وبإنسانية عظيمة»، مضيفاً: «لا تنسوا أبداً هذا الإرث العظيم. أنتم ورثة روسيا العظمى، امضوا قدماً بهذا الإرث».
كييف، وعلى الفور، وصفت تصريحات البابا ب «الدعاية الإمبريالية»، ولا نظن أن غضب كييف قد هدأ بعد التوضيحات التي صدرت عن الفاتيكان بأن البابا لم يقصد ما فهمته هي، مذكراً بأنه سبق وأن دان الحرب في أوكرانيا مراراً، لكن إشارة البابا إلى «مجد» الإمبراطورية الروسية تذكير بماضٍ تريد أوكرانيا أن تنساه.
لبطرس الأكبر ينسب دور كبير في تقوية هذه الإمبراطورية وتحديثها، هو الذي أصلح نظام القضاء إصلاحاً جذرياً، وأنشأ نظاماً إدارياً قسمّ المملكة إلى ولايات، بلغ عددها 12 ولاية، وأنشأ مجلساً للشيوخ؛ لمراقبة عمل الولاة والقضاة، وحدّث الجيش وأصلحه، حتى بلغ في أيامه 500000 جنديٍّ منظم، وأنهى نظام الرق، وأنشأ العديد من المدارس، وأرسل البعثات إلى أوروبا للاستفادة من أوجه تقدمها، كما اهتم بالثقافة، حتى ينسب إليه تطوير الأبجدية الروسية، لتصبح ما هي عليه اليوم.
أما كاترينا الثانية، فهي الأخرى، من أبرز وأهم حكّام روسيا عبر التاريخ، امتدت فترة حكمها من عام 1762 إلى 1796، وقد ورثت الحكم من زوجها بطرس الثالث الذي اغتيل في محاولة للانقلاب على حكمه، فسارت على خطى بطرس الأكبر الذي كانت معجبة بسيرته وإنجازاته في تحديث وتطوير الإمبراطوريَة الروسيَة على النسق الأوروبي الغربي، فانتعشت روسيا في عهدها وازدادت قوتها العسكرية حتى اضطرت الدول الأوروبية الغربية إلى الاعتراف بها كقوة عظمى إلى جانبها في العالم، وأمرت بِإنشاء الكثير من المدن والبلدات الجديدة وتوطين الناس فيها، وعرفت بأنها حاكمة مُطلقة مستنيرة، وراعية للفنون والثقافة.
ربما ليس التاريخ وحده الذي ذكّر به البابا هو ما استفز كييف، وإنما حقيقة أن الرئيس الروسي بوتين مأخوذ بهذا التاريخ، في مسعاه لاستعادة مهابة روسيا التي كانت، مذكراً بامتدادها الجغرافي الذي فقدته بانهيار الاتحاد السوفييتي، واستقلال الجمهوريات التي كانت في عداده، وضمنها أوكرانيا التي يؤكد أنها كانت دائماً ضمن الإمبراطورية، ولم تصبح دولة مستقلة إلا بعد الحقبة السوفييتية، وتأكيده الدائم على مواجهة ما يصفه بمحاولات «تزوير التاريخ»، بما في ذلك حجب الدور الحاسم للاتحاد السوفييتي في هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية.
[email protected]
https://tinyurl.com/mtfy4hca