صناعة الرؤساء خارج لبنان

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

خطفت زيارة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين إلى لبنان الانتباه العام، لا بالترسيم البري ولا بمتابعة التنقيب عن الغاز والنفط بل بنشر 3 صور أولاها تناوله الفطور مقابل صخرة الروشة في مقهى «الفلامنكي»، وعلى الطاولة المألوفة للسفير الياباني في لبنان ماغوشي ماسايوكي، وثانيتها زيارته لهياكل بعلبك، أمّا الصورة الثالثة فعشاء على طاولة قائد الجيش جوزيف عون بلباسه المدني باللون الأزرق السماوي. رافقته بزياراته وصوره السفيرة الأمريكية دوروثي شيّا مع أنّ الرئيس الأمريكي بايدن سمّى منذ فبراير (شباط) ليزا جونسون سفيرةً مكانها، لكن تمّ تعليق التحاقها بلبنان ما يعني أنّ لدوروثي بعد أدواراً في لبنان. وقد كشفت عن الصور وأنا أضع النقطة النهائية والعنوان لمقالي هذا حول «موجز تاريخ صناعة الرؤساء في لبنان»، الأمر الذي دفعني إلى التمهيد بهذه المقدمة المناسبة في تاريخ يتكرّر.

كيف؟

 أمامي مخطوطتان تضمّنتا 78 مقابلة مع شخصيات طامحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية: الأولى بعنوان «رئاسيّات في لبنان 1988» بعد ولاية الرئيس أمين الجميّل (22 سبتمبر 1982 - 22 سبتمبر 1988) والثانية بعنوان «اعرف رئيسك 1995» عندما أطلق الجنرال ميشال عون شعاره المتداول «الرئيس القوي» قبل نفيه في ال1989 وروّج ويروّج له التيار الوطني الحر. المخطوطتان حافلتان بالأسرار، لأنني ساهمت أولاً مديراً لكلية الإعلام بإطلاقنا فكرة تقديم المرشح لرئاسة الجمهورية برنامجاً لولايته الأمر الذي تقوى المطالبة به اليوم، وثانياً لأنّ اتفاقاً خطياً مع كل مرشح مفاده عدم نشر مضمون مقابلته.

لم ولن ننشر... لماذا؟

1- لأنّ فتح الملفات الرئاسية كان يحصل عبر نشر الكتيبات الدعائية والسير الذاتية للمرشح، ولأنّ معظم الشخصيات المارونية تحلم ببعبدا، ولأنّ الاستحقاق كان مرهوناً بإشارات الخارج عبر التداول الدائم ب«كلمة السرّ» أو «خيارالربع ساعة الأخيرة»، ما كان يُقلق صيت المرشحين بين الداخل والخارج، وهنا مختصر تاريخ صناعة الرؤساء اللبنانيين في الخارج:

أ- كانت فرنسا (من 26 /5/ 1926 إلى 21 /9/ 1943) الناخب الأوّل. عيّنت 5 رؤساء خلال 9 ولايات، لأنّ التجديد لبعضهم منحهم أكثر من ولاية متقطعة أو غير مكتملة. أبرز من أداروا العملية الجنرالات الفرنسيون كاترو ودانتز وغورو وفوش وديغول وأسماء بعضهم محفورة فوق جادات العاصمة بيروت.

ب- كان الجنرال سبيرز البريطاني الناخب الأوّل الذي أوصل رئيسين لجمهورية لبنان من 1943/9/21 إلى 1958/9/23.

ج- برزت أمريكا منذ 9/23/ 1958 ناخباً وحيداً ل10 رؤساء. صحيح أنّ فرنسا والفاتيكان ومصر والسعودية وسوريا وإسرائيل وقطر وإيران والأردن وغيرها كانت تستمزجها أمريكا، لكنّ الأصح أن تجاذباً خفياً أو تشاركاً مبهماً أو توكيلاً متقناً كان يجري بين أمريكا وهذه الدول مجتمعة أو منفردةً لفرض الرئيس.

 كنا وما زلنا نراكم موقع الرئيس لفراغات مقيتة بانتظار كلمة الخارج القاطعة. 

 لم أظفر في المخطوطتين بأيّ مقابلة مباشرة مع أي قائد للجيش أو ناطق باسمه قبل ولوجه قصر بعبدا، باستثناء مقابلات مع الجنرال ميشال عون إبّان المرحلة الانتقالية التي شغل فيها كرسي بعبدا وقبل أن يتمّ نفيه قسراً إلى فرنسا في ال1989، لكن هناك ظاهرة لافتة حيال نهايات غير سعيدة جمعت عهود القادة الأربعة الذين ترأسوا الجمهورية، من فؤاد شهاب رمز الإصلاح ومحاربة الفساد ورفض التجديد، والحارق لمذكّراته الرئاسية في حديقة بيته المتواضع في جونية، مروراً بالعماد إميل لحّود الذي «رفض مغادرة القصر إلاّ جثة»،  وبقي حتى الدقيقة الأخيرة يتمطّى الفراغ من 23 /11/ 2007 الى 25 /5/ 2008، بانتظار كلمة السر بانتخاب العماد ميشال سليمان بعد «مؤتمر الدوحة» الذي باشر ولايته بالصمت والحيرة فيميل نحو 14 آذار خاتماً عهده بالحوار وإعلان بعبدا العسير والمتعسّر.

 صحيح، إنّ الانقسام حاد والمشهد ضبابي بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون المتوقّع على الأرجح لأنّ مؤسسة الجيش الوحيدة الحافظة والجامعة حيال مسرح الفراغ السائد منذ عام بحوار مستعص وبامتحانات خطية فرنسية وخماسية وانتظارات لكلمة السر الجديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"