علي قباجه
يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية وصلت إلى طريق مسدود؛ إذ ليس ثمة انفراجة مرتقبة؛ بل إن غيوم التصعيد لا تزال ملبدة، وثمة مخاوف من محرقة جديدة تشمل أوروبا، وستنعكس بالتأكيد على العالم كله. كما أن الجمود لم يقتصر على حل الصراع من الناحية العسكرية؛ بل شمل قضايا عدة؛ منها إمكانية استئناف العمل باتفاقية تصدير الحبوب التي تم التوصل إليها برعاية أممية وتركية في صيف 2022؛ حيث إن لقاء الرئيسين أردوغان وبوتين، لم يثمر عن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه بعد تعليقها من قبل روسيا، جرّاء حرمانها التصدير نتيجة العقوبات التي تكبلها.
الاتفاقية وقعت بالأصل للسماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى العالم، وتهدئة المخاوف حيال ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أن روسيا علقتها في 17 يوليو/ تموز، وطالبت باستيفاء شروطها قبل استئنافها؛ أي السماح بتصدير الأغذية والأسمدة الروسية، ومنع العراقيل أمامها، وعدم منح أوكرانيا أفضلية. فبوتين أشار إلى أن روسيا شعرت بالغبن، بعد منع الغرب توريد قطع الغيار للمعدات الزراعية أو استخدام النظم البنكية؛ بل إنه أجرى مقارنة عندما قال: إن الغرب كان يخدعنا بالحديث عن مبادرة البحر الأسود؛ لأن 70% من الحبوب وصلت إلى الاتحاد الأوروبي، بينما وصل 3% فقط إلى الدول المحتاجة. وذكر أن روسيا تورد الحبوب مجاناً إلى 6 دول إفريقية، و«نتحمل كُلف النقل».
الغبن الذي تعرضت له موسكو واجهته بأمرين، الأول تعليق الاتفاقية؛ والثاني استهداف الموانئ الأوكرانية، وهي بذلك أصابت عصفورين في الوقت نفسه؛ إذ إنها حرمت كييف من تصدير حبوبها، وهي التجارة الأهم، التي تدر دخلاً كبيراً عليها، كما أنها وجهت ضربة اقتصادية كبيرة لأوروبا التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب الأوكرانية؛ لذا فإن الدائرة دارت على الغرب، وانعكس السحر على الساحر، فبدلاً من أن يتمكن من تكبيل روسيا، تكبل هو وحليفته، بينما سفن روسيا تمخر العباب شرقاً وغرباً.
تركيا أيضاً سارت نوعاً ما في الركب الروسي؛ إذ قدرت أن روسيا تتعرض لمضايقات عدة، وهي تطمح أيضاً للغاز الروسي، فسعت حثيثاً مع الأمم المتحدة إلى حل هذه المعضلة، وطالبت أوكرانيا ببعض الليونة، في حين كان رد فعل كييف شديداً، ورفضت هذه التصريحات، مؤكدة أن أوكرانيا لن تدعم تخفيف العقوبات على موسكو، ولن تقبل سياسة «الترضية». وعلى الرغم من رفض كييف فإنها هي الخاسر الأكبر؛ إذ إنها تواجه حرباً ضروساً أعادتها سنوات إلى الوراء، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، بينما بإمكان داعميها تخطي الأزمات، على الرغم من تأثرهم على أكثر من صعيد، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا؛ إذ إنها تعوض عن خسارتها بالبحث عن بدائل، وربما توجهها نحو القارة الإفريقية يجد لها سوقاً جديدة لصادراتها، أما الخاسر الثاني فهي الدول الضعيفة التي تعتمد بشكل شبه كلي على الصادرات الأوكرانية والروسية، وبالتالي سيزداد الجوعى، نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار. فهل يجد هؤلاء شفيعاً لهم، أم أنهم سيظلون في مرمى تجاذبات الصراع العالمي؟