لطالما كان المغرب، وما زال بلداً شديد الجاذبية لعدد من الشعراء والروائيين والفنانين الأوروبيين، ومن هؤلاء الكاتب الأمريكي بول بولز (1910-1999) الذي عاش في طنجة وكتب يوميات حياته في المدينة التي تشبه من يحبّها فور أن يقرر العيش فيها، كما هو حال الكاتب الفرنسي جان جينيه (1910-1986) الذي أوصى بدفنه في المغرب وقبره في مدينة العرائش القريبة من طنجة..
أما البلغاري الياس كانيتي ( 1905-1994)، فقد زار مراكش في العام 1953، وأقام فيها فترة من الوقت كان كافياً بالنسبة إليه، ليكتب واحداً من أعذب الأعمال التصويرية اليومية للمدينة التي توصف ب «الحمراء»، وتضجّ بالحياة، والناس، والبيوت التي كثّفها كانيتي في كتاب جميل بعنوان «أصوات مراكش»، نقله إلى العربية كامل يوسف حسين، وصدرت طبعته الأولى عام 2021 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
يعرف كانيتي، كما جاء في مصادر حياته ثماني لغات، ولكن طيلة حياته لم يتحوّل عن الكتابة باللغة الألمانية، وأوصله الأدب إلى «نوبل» في العام 1981 هو الذي يحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة فيينا منذ 1929.
كتب كانيتي «أصوات مراكش» بالألمانية لكن روح الكتاب عربية مغربية، بل هي مرّاكشية بكل ما ينبض به هذا النوع من الكتابة المستلهمة من حيوية المكان وعبقريته البشرية، والمادية، والجمالية.
أوّل ما يتوقف عنده كانيتي في مرّاكش هو سوق الإبل، ويراقب بدهشة المتأمّل لا بدهشة السائح حركة الإبل، واقتيادها إلى الجزارة أو مساومات بيعها «للبعير أنف جيد، يرقد على جانب صاحبه ليلاً، ويشم اللصوص، فيوقظ صاحبه».
أكثر يوميات كانيتي كانت في أسواق مرّاكش. إنها الفضاء الأفقي والتشكيلي المسكون بالألوان والروائح التي تعرّف هوية المكان النفسية والمزاجية، لا بل أكثر من ذلك يرقب كانيتي حتى المساومات التي تجري في السوق حيث البضائع والحياة في الهواء الطلق.
يتوقف كانيتي عند ظاهرة الحكواتية والكَتَبة في حياة مراكش اليومية المكثفة، مرة ثانية، في الأسواق «تتحلّق أعظم الحشود حول الحكواتية، إلى جوارهم يزدحم الناس كأشد ما يكون الزحام، ويمكثون أطول الأوقات التي يقضونها خارج دورهم، تطول العروض، فتقعي حلقة داخلية من المستمعين، يطول الوقت بهم، أما الآخرون الذين يصغون واقفين فيشكّلون حلقة خارجية، وقد خلبت ألبابهم كلمات الحكواتي وإشاراته».
أما الحكواتي فيرتدي ملابس تخطف الأنظار ليتميّز بذلك عن السامعين، وهم دائماً يؤثرون الأقمشة الأكثر فخامة.. ربما، كما يليق بحكواتي في مرّاكش.