توقفت، أمس، عند الحكواتية في أسواق مرّاكش، وهي في عمقها الاجتماعي ظاهرة ثقافية ستكون مدهشة بالفعل لإلياس كانيتي القادم إلى المغرب من أصول ثقافية غربية. ولا أظن أن باريس أو لندن أو نيويورك قد عرفت حكواتية أسواق كما هو الحال في مراكش، غير أن هذا كله ليس مهمّاً بالمرة، حين سيظهر في المدينة المنكوبة بالزلزال بعد سنوات حكواتية جُدد يسردون القصص والحكايات عن كارثة إقليم الحوز، ومولاي إبراهيم في جبال الأطلس.
في الصورة التلفزيونية تنقل الكاميرا مشهد السياح الأوروبيين وهم يغادرون إلى اليونان، فور وقوع الزلزال، فالمكان الذي كان يبحث عنه السائح أو جاء ليراه، لم يعد موجوداً ولا مرئياً، ولأن المكان بالنسبة للسائح، أي سائح، هو «انتماء منفعي آني أو مؤقت»، فإنه يفقد مبرر زيارته عند وقوع كارثة فيه، غير أن المكان المرّاكشي هو روح الإنسان المغربي، ببيوته، وساحاته، وأسواقه وحكواتيه.. وكل زلازل الأرض لن تصرفه عن وطنه الجغرافي ووطنه الوجداني، واللغوي، والنفسي، والجمالي في الوقت نفسه.
كانت الصورة أو كانت الكاميرا دليلاً ثقافياً وبصرياً مادياً على هذه العلاقة «الدمائية» أو «المشيمية» بين الإنسان ومكان مسقط رأسه في مرّاكش وأطرافها المهدمة.. هذه امرأة في نحو الستين من عمرها، تقف أمام خيمة في العراء، ويسألها الصحفي: كيف الأحوال يا أمي؟ فتجيب وهي تبتسم:.. الحمد لله رب العالمين. وفي الصورة الدّالة أيضاً، ثمة امرأة شابة تبكي على ما فقدت من أهلها أو من أبنائها، وطلبت من الصحفي أن يساعد العرب بالجرّافات لإزالة الركام والهدم، وربما للبحث عمّا تبقى من معجزات بشرية في قلب الزلزال، وهنا تلاحظ أنت أن المرأة تلك طلبت جرّافات ولم تطلب البطانيات أو الخبز أو حتى الدواء.. إن الركام الذي تقف عليه له حرمة وله كبرياء، تماماً مثل الكائن البشري الحيّ. في رواية زلزال مرّاكش وفي رواية كل زلزال، خصوصاً في الجغرافيا العربية، هناك مجرم بشري يجري دائماً تجاهله أو الانزلاق الإعلامي عنه إن جازت العبارة، ذلك المتهم هو مباشرة المقاول الذي عمل على بناء هذه البيوت التي سرعان ما ماتت أو قتلت حين اهتزت الأرض، فيما في جوار البيوت الميتة ثمة بيوت ما زالت واقفة، ولم تتأثر طوبة واحدة فيها بالزلزال.. لماذا؟ ألا يكون المقاول، فعلياً، هو المسؤول الأول عن جرم الزلزال.. قبل الزلزال؟
تكاد الزلازل، في الآونة الأخيرة، تحيل إلى ظاهرة ثقافية يتداخل فيها الضمير مع الأخلاق مع طبيعة البشري الإنسانية التي إذا انتفت عنه يتحول إلى مجرم.