الحجر والطين

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

البشر أغلى من الحجر، ولكن، في كوارث الطبيعة، نبحث تحت الأنقاض عمّا هو غال وعزيز أيضاً، مثل الكتب، واللوحات، والمخطوطات، والصور، وتحف البرونز والفضة والفخّار.. نبحث تحت الأطلال عمّا هو عزيز على الإنسان، المقتنيات الصغيرة والجميلة التي هي تاريخ الكائن البشري، وجزء من ذاكرته.
هذه أشياء، جامدة في فضائها المادي، ولكنها، في الوقت نفسه تحمل من المعاني والعواطف والانفعالات ما يتجاوز الشيء المادي، إلى ما هو روحي، ونفسي.
الزلزال، مثلاً، يحوّل البيت أو يحوّل المعمار برمته إلى طلل، ولكنه ليس الطلل «الشعري» الماضوي، الحنيني، بل هو الزلزال حول بيوتهم إلى غبار.. وحين يمر المهندس المعماري، مثلاً، على البيت الذي رسمه وخطّطه وبنى حجارته، وقد تحوّل إلى كومة من الحجارة، فإنه هذا المهندس الذي شيّد تحفة معمارية، يجد في موت عمارته موته الشخصي أيضاً، حتى لو كان قد نجا من الزلزال أو الفيضان أو العاصفة الغاضبة.
الكثير من بيوت أهالي إقليم الحوز في المغرب، وفي قرى وأرياف مدينة درنة الليبية لم يعمّرها مهندسون، وهي ليست مبنية من الحجر أو الرخام، بل هي بيوت من الطين.. الطين الأحمر الذي يشبه لون الوردة أو لون الدم.
تكشف الطبيعة التي تحوّل الأمكنة إلى أطلال عن بيوت من الطين والخشب والحجارة الهشة الضعيفة، كانت تؤوي ناساً ضعيفين.
لكن الزلزال والعاصفة، في ليبيا وفي المغرب، كشفا أيضاً عن قوّة هؤلاء الناس المنكوبين، وعن كبريائهم واقتناعهم الأبدي بكل ما هو قليل.. بكل ما هو طينّي.. إذا أردت القول، «.. والقناعة، ليست دائماً كنزاً لا يفنى..».
مرة ثانية البشر أغلى من الحجر، لكن الحجر أغلى من الطين، وفي أقصى درجات عزلته وضعفه الإنساني يحتاج المرء إلى بيت من حجر. بيت آمن، قوي وراسخ في الأرض بحيث يرمز هذا الرسوخ إلى ما يسمى «الانتماء للوطن».. الوطن الحجري أو الرخامي وليس وطن الطين.. كتبت أمس عن الزلزال من زاوية ثقافية، بل في الزلزال وفي الفيضان، وفي حريق الغابات، وفي البركان، في كل هذا، وفي كل ذاك، وفي كل مكان في الأرض، وليس في المغرب وليبيا وحدهما.. هناك ما يمكن قراءته، وتأويله، وإرجاعه إلى الجذر البشري الآدمي، الذي لا يطيق به الطين مطلقاً، وقد خلقه ربّه في أحسن تكوين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtr942m6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"