د.باسمة يونس*
الترفيه مهم جداً في حياة كل شخص يبحث عن السعادة العقلية، فهو يجعله في حالة من البهجة، ويمنحه متعة لنسيان مشاكله، كما يمكن للترفيه أن يمنع من الإصابة بالاكتئاب والغضب، وينشّط الأدمغة للقيام بعمل إبداعي.
ومع هذا، يمكن للترفيه أن يسلب الناس قدرتهم على التمييز ما بين الفن والثقافة الجادة، إن كان المحتوى ضعيفاً وهزلياً باستمرار، وبطريقة تجعله تقليداً ونموذجاً دائماً في حياتهم، فالترفيه بدوره بحاجة إلى ضبط واعتدال للتمتع به.
لقد حققت الكثير من المسلسلات والبرامج المضحكة نجاحاً في الماضي بسبب مواقفها المضحكة، وشخصياتها المستهترة التي تتلفظ بعبارات غير مبررة لتعزيز الضحك، متخلصة بذلك من وقار المظهر، ومغرقة في السذاجة، وتسطيح الفكر، وها نحن اليوم نجد أنفسنا غير قادرين على الإفلات من براثن ما سمحنا له بتغيير نظرتنا نحو السعادة العقلية ونحن نرى مزيداً من الشباب ينخرطون فيه، وينزلقون بتقليده في «وسائل التواصل» لأنه كان الطريقة الأسهل للترفيه وتوصيل الرسائل التي شكلت نظرتهم وثقافتهم.
ويمتلك الترفيه قدرة قوية على تغيير قيم الناس، ومعاييرهم، ومُثلهم العليا، وإلهامهم، وتلعب سهولته في ذلك دوراً كبيراً، فهو لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لفهمه مقارنة بالفن الذي يتطلب نوعاً من النمو والخبرة لرؤية وفهم رسائله، لكن ذلك لا يجعلنا نتساهل معه، خصوصاً وأنه يحتل مساحة واسعة في أذهان الناس وحياتهم.
على الترفيه بكل أشكاله البقاء على علاقة وطيدة بالثقافة، ومن الضروري ربطه مع الفن للمحافظة على الثقافات وتشكيلها، فلا ندعه ينسلخ عنها في ما يتعلق بالمحتوى من الأزياء، وأسلوب الحوار، والسلوكات، وغيره مما يقدم للجمهور وتجذبه للتمثل بها.
إن الترفيه ممارسة لا تقل أهمية عن الهوايات، وتخدم غرضاً مهماً، حتى لو كان في المقام الأول مجرد تسلية، لكن يمكن للترفيه أيضاً أن يروي قصصاً مهمة لديها القدرة على تغيير الحياة والتفكير.
يحدد نوع الترفيه مستقبل الناس، خصوصاً الأجيال الشابة الأكثر تأثراً به، لذا، فجودته تلعب دوراً رئيسياً في تحديد المجتمع، ومن المهم ألا تترك السهولة تتسرب لتتمكن من تخدير المشاعر، فترضى بالأعمال الساذجة، وتقبلها كفنون معاصرة.
لا يعني ذلك أنه يجب تجنب جميع وسائل الترفيه، ولكن علينا فقط أن نسأل أنفسنا إن كان الترفيه يخدم غرضه، ولا يسلبنا ثقافتنا الجادة والأصيلة؟ فلا شك في أن الذهاب لمشاهدة عمل فني ترفيهي في نهاية الأسبوع هو أمر جيد، ولكن الإسراف في مشاهدة جميع حلقات برنامج فكاهي، أو مسلسل من مئات الحلقات بشكل يومي، هو أمر مختلف تماماً.
