مارلين سلوم
لا عبقرية ولا مفاجآت ولا إبهار في فيلم «تشوز لاف» أو «اختر الحب» الذي تعرضه منصة «نتفليكس» وهو من أعمالها الحديثة والذي تدخل فيه لأول مرة عالم «الفيلم التفاعلي»، ما ساهم في إقبال الكثير من الجمهور على المشاهدة وعيش التجربة الجديدة التي تتيح للمتفرج متعة الإحساس بأنه جزء من العمل ويمكنه تغيير مصير أبطاله وتعديل مسار الأحداث والتحكّم بمشاعر البطلة؛ لذا يمكن القول إن الفضول والتفاعل هما المحرك والدافع الأول والأهم لمتابعة هذا الفيلم الرومانسي التقليدي من حيث الحبكة والقصة.
تستحق التجربة أن يعيشها المرء ولو مرة، وستلاحظ أن تعليقات الجمهور ومن دخل «التفاعل» خلال الأيام الماضية، تنصب في مجملها حول الاختيارات ومتعة تمكن المشاهد من تقرير مصير بطلته بكبسة زر من الريموت كونترول بين يديه، أكثر من التعليقات على الفيلم وتفاصيله التقنية والفنية والأداء والإخراج.. بل طوال الوقت يدور في ذهن الجمهور سؤال: هل تستحق التجربة أن يصور من أجلها المخرج أكثر من مسار للقصة، ويكون للفيلم أكثر من نهاية، بل قل نحو 15 نهاية مرهونة باختياراتك أنت، بينما المدة الأصلية للفيلم لا تتجاوز الساعة و17 دقيقة؟.
التفاعل مع الأعمال الدرامية والكرتونية ليس جديداً، بل الجديد هو التفاعل مع فيلم سينمائي تشاهد أول عرض له في بيتك؛ والتفاعل يعني أن الفيلم يسير بشكل عادي وتقليدي، وفي كل مرحلة ومحطة مصيرية في حياة البطل -وهنا البطلة مهندسة الصوت كامي كونواي (لورت مارانو)- يتوجه إليك بالحديث لتساعده على الاختيار، فتظهر أسفل الشاشة خانتان تضغط بالريموت كونترول على إحداهما دون أن يتوقف المشهد؛ هذه التفاصيل ونظرة البطلة إلى الكاميرا وحديثها الموجه إليك كمشاهد، تذكرنا ببعض الأعمال الكرتونية للأطفال مثل مسلسل «دورا» الذي كانت تتوقف فيه وتسأل المشاهدين عن مكان أو شيء محدد، وكان تفاعل الأطفال افتراضياً أي بلا تغيير في مسار الحدث أو الاختيارات.
اتخاذ قرارات
تتيح لافتة «اختر مغامرتك الخاصة» للمشاهدين، اتخاذ قرارات بالنيابة عن كامي كونواي، مهندسة الصوت الشابة، التي تجد نفسها حائرة وغير مستقرة، وتزيدها قارئة التاروت حيرة حين تخبرها بأنها ستقف وسط ثلاثة شبان كل منهم له مميزاته ومواصفاته، ولديها أسباب «مقنعة» لاختيار من تحب ومن ستقرر الارتباط به؛ يبدأ تدخل الجمهور في الاختيارات مبكراً، حيث عليه مساعدة كامي لدى قارئة التاروت ما إذا كانت تريد سماع أخبار جيدة أو أخبار سيئة، ثم تكر سبحة القرارات والاختيارات، هل يجب على كامي أن تقبل الزواج من صديقها بول (سكوت مايكل فوستر)، أم تتريث بعدما التقت بالصدفة وأثناء توصيلها ابنة شقيقتها إلى المدرسة، بحبيبها السابق من أيام الثانوية جاك (جوردي ويبر)، وقد أصبح مصوراً محترفاً يلتقط صور الأطفال بهدف المساعدة الإنسانية والأعمال الخيرية، ثم تتجه إلى عملها في الاستوديو فيتصادف وجود مغني البوب المشهور ريكس جالير (أفان جوجيا)، وبحكم موهبتها وبراعتها وحسها الفني، تبدي رأيها بأغنيته منتقدة بعض الأخطاء فيها وتقوم بتسجيلها له بإيقاع جديد ومختلف؛ اللقاء يثمر أيضاً عن اكتشاف ريكس جمال وقوة صوت كامي، فيعرض عليها الغناء معه ويعيد تسجيل الأغنية بصوتيهما.. تمشي الأحداث ومع كل موقف تجد نفسك مدعواً للعب دور البطلة واتخاذ القرار بالنيابة عنها، هل تخرج مع بول أم تعتذر؟ هل تستعيد علاقتها بحب الطفولة جاك أم لا؟ هل تخبر ريكس رأيها صراحة بأغنيته أم تجامله؟ هل تسافر معه لتنضم إلى فرقته أم تبقى وتواصل حياتها؟
تجربة التفاعل
المخرج ستيوارت ماكدونالد والكاتبة جوزان ماكجيبون (مؤلفة الفيلم المشهور والناجح «ران أواي برايد») يقدمان قصة بسيطة رومانسية خفيفة، لم تكن لتتميز بهذا الشكل لولا تجربة التفاعل، ولا شك في أن ستيوارت ماكدونالد برع في تصوير الأحداث بطرق مختلفة، وكأنه يصور أكثر من فيلم في عمل واحد، حيث كل اختيار للجمهور سيأخذ الأبطال في اتجاه مختلف، وكل كبسة زر من الجمهور ستحدد مصير الشخصيات ومسار الأحداث وبعضها يترتب عليه مواقف أخرى جديدة، لنصل إلى نهايات متنوعة. عالم افتراضي وواقعي في آن، تقنيات حديثة تفتح أبواب ابتكار التفاعل والتواصل المباشر بين الجمهور والشخصيات، وكأن لا تصوير مسبق ولا استوديوهات ولا مونتاج حصل، ما يمنح الجمهور متعة الإحساس بأنه شريك في الكتابة وتحديد مسار الأحداث وفق رؤيته، وشريك في الإخراج يقرر وحده الاستغناء عن فلان واستكمال الرحلة مع علاّن والتحكّم بالأبطال وفق أهوائه!.
هل نجح الفيلم؟ افتراضياً وتفاعلياً من حيث خلق مساحة من التواصل المباشر بينه وبين الجمهور، نعم! أما واقعياً، فالبعض يشعر بالتشتت أثناء المشاهدة وانشغال الناس بالتفكير في ما سيختارونه للبطلة، ما يؤثر طبعاً على متعة الانسجام والاسترسال في متابعة الأحداث وتسلسلها بشكل تلقائي.
نهاية سريعة
أداء النجوم لورا مارانو، أفان جوجيا، سكوت مايكل فوستر، جوردي ويبر وميغان سمارت جيد، علماً بأن سكوت مايكل فوستر هو أكثرهم تأثيراً بالجمهور، يجبرك على التفاعل معه وتسيير الاختيارات بما يتوافق مع استمرار علاقته بكامي مهما كانت الظروف، فإذا رأيت أن بول هو الرجل المناسب لكامي، فستقود أنت الأحداث باتجاه تقدم بول لخطبتها في منزله من خلال إعطائها بطارية إنذار دخان، احتمال يقود نحو نهاية سريعة وبسيطة و«وحيدة» إذ لا يترتب عليها أحداث كثيرة ومتفرعة. أما إذا اختارت ريكس فهناك عدة طرق يمكن أن تؤثر بالقصة، وتتفرع باتجاه السفر نحو فيغاس وباريس والغناء وسلوك طريق الشهرة والأضواء.. أما مع جاك، فستتعطل أحلامها في الغناء وستكتفي بعيش «النضال الإنساني» معه.
النهايات المتعددة
هذه ليست الاختيارات الوحيدة بل هناك احتمالات إضافية ومسارات متنوعة تقود إلى أكثر من نهاية.. نعم، انتشرت موضة النهايات المفتوحة التي تترك الجمهور حائراً متخيلاً ما ستؤول إليه أحوال الأبطال، لكننا لم نعش قبل اليوم تجربة النهايات المحسومة، لكنها متعددة وكلها تكون صالحة ومرضية للجمهور كل حسب ذوقه ورغبته.. لذا يبدو تقييم الفيلم صعباً، لأنه لا يقتصر على تقييم تقليدي، بقدر ما هو تقييم لتجربة الأفلام التفاعلية، والتي تستحق المتابعة طالما أنها تفتح أبواباً جديدة أمام التقنيات الحديثة والابتكار، لكنها تسرق متعة السرد والسحر الموصول بينك وبين الشاشة منذ المشهد الأول وحتى اللقطة الأخيرة؛ تجربة تمنحك فرصة مشاهدة تبعات اختياراتك وتدفعك بشكل تلقائي لمشاهدة الفيلم أكثر من مرة، وفي كل مرة تجرب اختيارات مختلفة لترى نهايات مختلفة أيضاً. إنه التواصل الافتراضي الخيالي والمباشر بين الشاشة والجمهور، بين المؤلف والمتفرج، شرط أن يجيد المخرج قيادة الدفة بجدارة كما فعل ستيوارت ماكدونالد، على أمل أن تأتي التجارب الجديدة أكثر عمقاً واكتمالاً من حيث التأليف والسيناريو والحوار.