عادي
كتب تطوير الذات.. وعود لا تتحقق

خلطة فكرية ساذجة

23:06 مساء
قراءة 6 دقائق
2

القاهرة: وهيب الخطيب

«كيف تعيش سعيداً»، «العادات السبع للنجاح»، «فكّر وازدد ثراء»، «حصن الموظف».. هذه بعض العناوين من مئات العناوين الأخرى التي تصادفنا في ركن كتب تطوير الذات في أي مكتبة نتجول فيها، كتب تعدنا بالنجاح والسعادة والتأقلم مع الآخرين، وتتميز بانتشار واسع، والكثير منها على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وأقل القليل منها يقدم آراءً ناضجة بالإمكان الاستفادة منها، ومعظمها يتسم بسطحية واضحة وسذاجة مفرطة، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» نقارب هذه الظاهرة، كتب تطوير الذات، ونسأل لماذا تشهد هذا الرواج؟ وهي لا تقدم أكثر من خبرات حياتية للآخرين، أي لا تتضمن معرفة أو معلومات أو أدباً يمتع الوجدان، والأهم من ذلك أن تعد قارئها بوعود لا تتحقق أبداً.

بمجرد أن تقول لأحدهم «كتب تطوير الذات»، فإن سيلًا من السخرية سينهال عليك، وهو الموقف الاعتيادي في الأوساط الأدبية تجاه هذه الكتب، وهو موقف ليس نابعاً من فراغ أو دون سبب، فالمهتمون بالأدب والفنون غالباً ما يجدون في كثير من هذه النوعية من الإصدارات «تفاهات، وتبسيطاً»، ويعتبرونها «مليئة بالوعود الزائفة».

بعيداً عن هذه الأحكام، أو على الأقل قبل التحقق منها، نعود إلى الوراء، ونتوقف أمام مفهوم تطوير الذات الذي يشير إلى الأنشطة التي تعمل على تنمية قدرات الشخص وإمكاناته، وبناء رأس المال البشري، وتسهيل التوظيف، وتحسين نوعية الحياة وتحقيق الأحلام والتطلعات. أي أن الغرض الرئيس منه هو «تحسين جودة الحياة» ولو نفسياً.

ربما يحدث ذلك على مدار حياة الفرد بأكملها ولا يقتصر على مرحلة واحدة. كما يمكن أن تشمل الخطوات لتحقيق ذلك، إجراءات مؤسسية وغير مؤسسية، وعبر شخصيات عدّة كالمعلم أو المرشد أو المدير أو المدرب.

بداية ليست بعيدة

وبالبحث عن البدايات على نحو أدق، نجد أن المفهوم صيغ ب«المساعدة الذاتية» في 1859 كعنوان لكتاب الاسكتلندي صمويل سمايلز، قبل أن يروج الأمر في القرن ال 20. وتضمنت الأعمال الناجحة كتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» 1936 من قبل ديل كارنيجي، و«العادات السبع الموجهة لأعمال الأشخاص الفعالين للغاية» لستيفن كوفي 1989، و«الطريق الأقصر» ل إم سكوت بيك 1978، و«التمكين.. اشعر بالخوف وافعل ذلك على أي حال» لسوزان جيفرز 1988. وبيع من هذه العناوين الملايين، وقلدها آخرون كلهم يحملون الرسالة نفسها: «اتخذ هذه الخطوات وستتغير حياتك إلى الأبد».

لكن السؤال هنا: هل فعلاً تتغير الحياة سواء إلى الأبد أو مؤقتاً حتى؟

باتت كتب المساعدة الذاتية تجمع كل شيء عن التغيير؛ سمها ما شئت. الشيء المطلوب منكَ إجراء التغيير بنفسك. كيف؟ غالباً لن تقول لك الكتب سوى: أنت من تقرر.

صناعة رائجة

بعد أن بيع من العناوين المشار إليها ملايين النسخ، أصبح الأمر صناعة يقدر رأسمالها بمليارات ضخمة. هنا تستدرك الأمريكية جيسيكا لامب شابيرو في كتابها «أرض الوعد.. رحلتي من خلال ثقافة مساعدة الذات»، أن 80٪ من مستهلكي هذه النوعية من الكتب يعاودون شراءها، مما يشير بقوة إلى أن هذه الإصدارات قد لا تعمل في الواقع. بعبارة أخرى، ليس من السهل إدراك إمكانية التغيير في مواجهة حقائق الحياة المستعصية.

في تقرير على موقع «بي بي سي وورلد»، كتبت ليندسي بيكر عن «الشفاء النصي»، وقصدت به الإجابة عن سؤال كيف تصبح كتب تطوير الذات «مفيدة»؟

ورأت أن الكتب التي تدعي أنها تقدم إجابات لتحديات الحياة هي أعمال تجارية كبيرة، ومع أن شرائح كبيرة من القراء الجادين ينظرون إليها باحتقار، فإن هذا النوع يشهد انتعاشاً فكرياً.

وترى بيكر أن كتاب المحلل النفسي ستيفن جروسز «الحياة المفحوصة.. كيف نخسر ونجد أنفسنا؟» مثال رئيسي على كتب تطوير الذات. إذ رفع الغطاء عن الحالة البشرية بمهارة من خلال قصص حقيقية من أريكة المعالج، وكان مفاجأة أكثر الكتب مبيعاً، بجانب ما حققته أيضاً سلسلة School of Life، وهي أدلة إرشادية للحياة الحديثة.

ولسوء الحظ، ليست كل الخيارات قراءات رائعة. بعضها عبارة عن مجموعة من المعلومات المعاد تدويرها، وبعضها محبط أكثر من كونه مفيداً.

ويشير التقرير أيضاً إلى سلسلة Shelf Help التي تسعى لتقديم «اقتراح مختلف لتحسين الذات»، بحسب محكم مان بوكر السابق وأمين السلسلة أليكس كلارك.

سؤال

نعود إلى سؤالنا الرئيسي: هل هذه الكتب مفيدة حقاً؟ والإجابة الدقيقة هنا تتطلب معرفة ماذا يمكن أن تقدم كتب تطوير الذات، التي تدور عناوينها حول الشفاء من الأمراض، وأهمية التفكير الإيجابي، وتحقيق السعادة، وتزعم أنها تمنح الفرد قدرة على تفسير نفسه والعالم على نحو أكثر إيجابية، ويزعم مؤلفوها أنك عندما تقرأ كتاباً «ملهماً» كل يوم، فإنك تغمر عقلك بالكلمات الإيجابية والمفاهيم النافعة. ويؤدي تخصيص الوقت لذلك إلى زيادة وعيك ويبقيك في أفضل ظروف.

ومن أجل تحقيق ذلك، تكرس هذه المؤلفات إلى الاعتقاد بالقوة اللامتناهية للنفس، كل شيء قادر على تحقيقه، فقط فكر بالأمر، أو ردد عبارات معينة، فإن كنت تسعى إلى حيازة الثروة، قل مثلاً «سأصير غنياً»، وتوهمك هذه الإصدارات بأنها قادرة على منحك طريقة للتقييم الصادق لحياتك، ومؤكد أن ذلك يحررك لإجراء التغييرات التي تحتاج إلى القيام بها، بينما لا تزال تشعر بالرضا عن نفسك. وعندما تكون على دراية بالتفكير وراء أفعالك، يمكنك محو أشرطة أفكارك السلبية واستبدالها بكلمات حب وإمكانية وقوة وسحر.

هذه الأفكار تزرع في نفس الإنسان هوساً بالكمالية، من جهة يعتقد الفرد في ذاته «قدرات خارقة»، كل شيء ممكن تحقيقه، الآن وهنا، وهو ما يصعب معه الاعتراف بالضعف الإنساني، أو الاعتراف بالفشل، ومن جهة ثانية، تعمق السعي نحو المثالية، والاحترافية والكمال بدعوى أن العوار معيبة وعدم الكمال سبة ونقيصة.

خرافات

وفي الوقت الذي يتبع علماء ومتخصصون أسلوباً عقلانياً وتجريبياً، يلجأ مؤلفو «تطوير الذات» إلى تكريس الخرافة والأوهام، إما بالحديث عن قدرات الذات، أو بخلط عدد من الأفكار مع بعضها بعضا، بجمع فكرة من علم النفس، وأخرى من البوذية خاصة «الكارما»، وثالثة من تصورات شعبية، ولا مانع أن يحصن ذلك كله ببعض الإحصائيات، سليمة أو مزيفة، لتأكيد وجهة النظر.

وعلى الرغم من سذاجة طرح كثير من هذه المؤلفات، فإنها تلقى رواجاً خاصة بين الشرائح قليلة الخبرة، الحالمة بالتغيير المادي أو النفسي السريعين، ويكفي أن تغازل أحدهم بعبارة «لماذا تشرب قهوة يومياً في ستاربكس إذا كان بإمكانك أن تشتري ستاربكس نفسه؟» سؤال في أحسن الأحوال يثير السخرية، لكن يمكن لمؤلف كتاب في تطوير الذات أن يحكي لك قصة «نجاح» صاحب ماركة ما وكيف كان بائعاً صغيراً، متجولًا مثلًا، وصار مليارديراً، هل جرى ذلك بخطة وعمل ودراسات جدوى وسياق سمح بتطوره ونمو رأس ماله، أبداً، فكتب تطوير الذات ستقول لك: لأنه آمن بذلك فقط.

إجابة سطحية تعود بنيتها إلى الثقافات القديمة، والتصورات الميتافيزيقية عن نشأة الحياة ومصير الكون، إضافة إلى الوعظ الأخلاقي، مما يذكر بكتابات الكهنة الأوائل في الحضارات القديمة، وبعيداً عن ذلك، وربما على نحو أعمق قدّم بعض الفلاسفة سبلًا لتحسين الحياة وجودتها، وتاريخياً يمكن أن نقرأ اليوناني أبيقور الذي كان يفكر في معنى الحياة البشرية، ونصوص الفيلسوف والخطيب والكاتب المسرحي الروماني سينيكا عن الغضب، وكتاب شيشرون عن الصداقة والواجبات. واستشهد البعض أيضاً بالكتاب المقدس باعتباره أهم مثال على أدبيات المساعدة الذاتية المبكرة. ولاحقاً، كان الفرنسي مونتين من بين الكتاب الذين طرحوا أسئلة أساسية: ما الإنسان؟ وكيف نعيش؟

دائرة أبدية

في كل ليلة رأس سنة جديدة، يلتزم البعض بشراء نسخة أخرى من كتاب «عام جديد، أنا جديد». لكن كيف يبدون بعد بضعة أشهر؟ هل حدث لهم يوماً أنهم قرروا إجراء التغييرات نفسها مرة أخرى في العام التالي؟ سنتان، ثلاث سنوات، أربع سنوات متتالية؟ حتماً، سوف نسأل أنفسنا: كم مرة يجب أن نجرب هذا لكي ننجح؟ الإجابة يقدمها موقع four minute books، بقوله: الإجابة الصادقة هي «إلى الأبد»؛ لأنه ستكون هناك دائماً تغييرات جديدة تريد إجراءها، شخص جديد تريد أن تصبح. التغيير هو كل ما تدور حوله الحياة. عندما يتعلق الأمر بجعل مجموعة معينة من العادات الجديدة ثابتة، فهناك طرق وأدوات ونصائح وتكتيكات يمكنك استخدامها. بهذه الطريقة، لن يتعثر المرء في محاولة إجراء تحول واحد مراراً وتكراراً، وسيظل يدور في فلك «تطوير الذات» سواء بالأدوات العلمية أو باللجوء إلى الخرافة، ببساطة لأن «تحسين جودة الحياة» هدف يستحق.

انفتاح عاطفي

نعيش بالتأكيد عصراً من الانفتاح العاطفي والرغبة في المشاركة، وقد لا يشترك الكثير من الأشخاص في فكرة أنه يمكنك تغيير حياتك في عشر خطوات سهلة. لكن لمجرد أنك تقرأ كتب تطوير الذات فلا يعني أنك محصن ضد تحديات الحياة والأزمات. وعلى أي حال ليس هناك سبب يمنع من النظر إلى الكتب على أنها مصدر عزاء.

اقرأ أيضاً:

عناوين تضلل القارئ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34uwcw5d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"