عادي
كتب تطوير الذات.. وعود لا تتحقق

عناوين تضلل القارئ

22:54 مساء
قراءة 6 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

«كيف تعيش سعيداً»، «العادات السبع للنجاح»، «فكّر وازدد ثراء»، «حصن الموظف».. هذه بعض العناوين من مئات العناوين الأخرى التي تصادفنا في ركن كتب تطوير الذات في أي مكتبة نتجول فيها، كتب تعدنا بالنجاح والسعادة والتأقلم مع الآخرين، وتتميز بانتشار واسع، والكثير منها على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وأقل القليل منها يقدم آراءً ناضجة بالإمكان الاستفادة منها، ومعظمها يتسم بسطحية واضحة وسذاجة مفرطة، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» نقارب هذه الظاهرة، كتب تطوير الذات، ونسأل لماذا تشهد هذا الرواج؟ وهي لا تقدم أكثر من خبرات حياتية للآخرين، أي لا تتضمن معرفة أو معلومات أو أدباً يمتع الوجدان، والأهم من ذلك أن تعد قارئها بوعود لا تتحقق أبداً.
 

انتشار كبير وغريب لمؤلفات التنمية البشرية وتطوير الذات، تلك الكتب التي دائماً تكون الأعلى مبيعاً من بين كل صنوف المعرفة والأدب، فهي تتفوق على كل أنواع وأشكال الإصدارات الأخرى، وهذا الأمر يخلق الكثير من الأسئلة، فما هو سر ذلك الانتشار؟ وبماذا يمكن أن تفيد تلك الكتب؟ هذه الأجوبة تصدّى لها عدد من المثقفين والأدباء الذين تحدثت إليهم «الخليج»، والذين أشاروا إلى أن روح العصر والتنافس هي كلمات مفتاحية للكشف عن أسباب ذلك الصدى المتعاظم الذي توجِده تلك المؤلفات، حيث إن الجميع يريد أن يعزز طاقته الإيجابية وثقته بنفسه للوصول إلى مستويات أعلى من النجاح في الحياة، إلى درجة أن الكثيرين يقتنعون بأن تلك المؤلفات والدورات في تنمية الذات تمتلك قدرة أسطورية أو خرافية.

«هي موجة جميلة تسعف الذاكرة وتعين التفكير»، هكذا تحدثت الشاعرة الهنوف محمد، التي تناولت بصورة موسعة أهمية مؤلفات ودورات التنمية البشرية، ودورها في مد الإنسان بطاقة جديدة لمواجهة صعوبات الحياة، وذكرت أن لها تجربة شخصية مع تلك الكتب، بدأت الاطلاع عليها في وقت مبكر منذ بدء انتشارها وتمددها.

وأوضحت أنها مرت بتجارب حياتية صعبة، وواجهت ظروفاً قاسية، فلجأت إلى تلك المؤلفات لتعينها على تقبل ظروفها، فالتحقت بعدة دورات واشتغلت على ذاتها بصورة كبيرة، وتوصلت إلى أن هذه المؤلفات هي بالفعل تعمل على تنمية الذات، وتجعل أي شخص سواء كان عادياً أو مبدعاً، يكتشف ذاته ويطلع على تجارب الآخرين.

ولفتت الهنوف إلى أن هذه الكتب تنبّه الإنسان إلى أشياء كثيرة، كتعلّم الصبر والتعامل مع الآخرين، وتقبل المصائب والمصاعب والعديد من القيم المهمة التي تعين على الاستمرار في الحياة.وأكدت الهنوف أن لهذه الكتب أصلاً في الثقافة العربية، والعادات والتقاليد، فهي تعلّم التسامح والسلام، فهي بمثابة إعادة إحياء للقيم الإنسانية التي كادت تندثر في وقتنا الراهن، موضحة أنها صارت تتقبل، بفضل هذه المؤلفات، حتى الأشياء غير الإيجابية وتتعايش معها، فهذه الكتب والدورات التي يقدمها مدربون محترفون صارت ملجأ للكثير من البشر العاديين حول العالم، تأخذ بيدهم وتهديهم الحكمة في زمن عاصف ومجنون.

تمارين

القاص والمسرحي محسن سليمان، أكد أن هذه المؤلفات تجد رواجاً وانتشاراً غير مسبوق، وهي مرغوبة بصورة كبيرة اليوم، حيث لا يستطيع الكثيرون الذهاب إلى المعاهد والدورات المختصة لرفع مستوى مهاراتهم، فيتم اللجوء إلى مثل هذه المؤلفات التي تنمي مهارات عديدة في الإنسان وتمده بالإيجابية.

غير أن سليمان، يؤكد أن بعض العناوين التي تحملها هذه الكتب مضللة بعض الشيء، خاصة تلك التي تروّج إلى تنمية المهارات واكتساب الخبرات في فترة زمنية قصيرة، كسلسلة «تعلم في أسبوع»، وغيرها، لافتاً إلى أهمية أن يكون هناك مصداقية للمؤلف، وعلى دور النشر ضبطها، بحيث لا تسمح بتمرير هذه النوعية المضللة من الكتب، مؤكداً أن هناك بالفعل تمدداً كبيراً لكتب التنمية البشرية وتطوير الذات، مقابل انحسار الأدبية والثقافية والمعرفية الأخرى، وهو أمر بالفعل يضع العديد من علامات الاستفهام.

أكد سليمان، أن هنالك بالفعل حاجة لتلك المؤلفات، ففيها تمارين مفيدة، وخرائط ذهنية، ومواضيع أخرى تقود إلى اكتشاف الذات وتفجير الطاقات، وبضها لكتّاب متميزين في هذا المجال، وهنالك من اقتحموا هذا التخصص وهؤلاء يقومون بالكتابة من أجل التجارة والعائد المادي، ومن الأفضل أن يبتعد القارئ عن الكتاب المبتدئين الذين لا علاقة لهم بالتنمية البشرية.

وأشار إلى أن بعض المثقفين صاروا يكتبون في كافة المجالات؛ كالتنمية الذاتية والشعر والرواية والقصة والمسرح، وهذا أمر يحتاج إلى وقفة كبيرة، فلئن كانت كتب التنمية البشرية تلقى رواجاً لمعالجة أشياء معينة، فإن القارئ سيتخلى عنها بعد قليل، لأن الجميع صاروا يكتبون فيها بلا علم ولا معرفة.

ولفت سليمان، إلى أن الإنسان في عصر التكنولوجيا يحتاج إلى ملاذات آمنة وعوالم روحية يلجأ إليها، وهذا توفره الكثير من هذه الكتب، مشيراً إلى أهمية ألا يتم التعامل مع هذه المؤلفات بنوع من الاستخفاف، خاصة أن هناك ظروفاً حقيقية وأسباباً موضوعية قادت إلى اللجوء إليها.

أعمال غريبة

الشاعر كريم معتوق، أشار إلى أن القارئ العربي تعوّد أن يحصل على نوعية معينة من الكتب، خاصة تلك التي تتحدث عن الموروث الديني ومؤلفات الشعر، هذا بالنسبة إلى النخبة، أما العامة فهم دائماً يسعون نحو كتب العجائب والطبخ، وأشكال معينة من الرواية، لذلك تعد مؤلفات «التنمية البشرية وتطوير الذات»، التي تجد رواجاً كبيراً في الغرب، غريبة على المتلقي العربي الذي بات يتعرف إليها مؤخراً بصورة كبيرة، ويجد فيها كثيراً من المعارف والأفكار.

وذكر معتوق، أن الفترة الأخيرة شهدت رواج كتب مترجمة تتحدث عن مواضيع مغرية وهي تجد انتشاراً واسعاً في العالم العربي، وهي مواضيع لم يتطرق إليها علم الإدارة أو الاجتماع عند العرب، وتحتاج بالفعل إلى كثير من الدراسات.

وأوضح أن هذه المؤلفات وجدت صدى وقبولاً بين الناس حول العالم، لأنها تقدم قصص نجاح، غير أن جميع المؤلفات العربية في هذا المجال مستنسخة من أجنبية، بل هي مجرد إعادة صياغة لها، خاصة تلك الكتب التي تتحدث عن طرق النجاح وكيفية كسب الأصدقاء، وغير ذلك حيث إن المتلقي في العالم العربي، لم يعتد على تلك المواضيع التي تطرحها هذه الكتب.

وذكر معتوق، أنه على المستوى الشخصي، قد سعد وفرح كثيراً بهذه الكتب عندما تمت ترجمتها إلى العربية، معرباً عن أمله في وجود كتابات عربية تتناول هذه المواضيع من منطلق الخصوصية العربية، مشيراً إلى أن الإقبال عليها ليس حدثاً مستهجناً، ولا مستغرباً، لأنها أكثر الكتب مبيعاً ونجاحاً في الغرب، وأثبتت نجاحاً في التعامل مع الذات والآخرين.

ولفت إلى أن الأهمية الكبيرة لهذه الكتب، تحرّض على السعادة والنجاح، وتعرف بأساليب وطرائق وكيفية التعامل مع الآخر والتعاون، حيث إن المجتمع الغربي لم يتطور إلا بمثل هذه القيم التي تُعلي من شأن التعاون وفهم الآخر ومشاكله، وهي أشياء مهمة في تقدم أي مجتمع ودولة.

وأكد معتوق أن هذه الكتب غيّرت حياته كثيراً، واختلفت نظرته للعديد من الأشياء من حوله، خاصة أن بعضها يركز على تفاصيل صغيرة لا تكاد تكون مرئية في الحياة والواقع، وبإمكانها أن تمد الإنسان بالراحة والسعادة، وهي في الحقيقة تقدم منهجاً للحياة والإنسانية المتحضرة، دون أن تتعارض مع الأديان، فالسعادة تجربة من المهم أن تعاش، وأن يقبل عليها المرء، وهذه المؤلفات تفجّر كثيراً من الطاقات داخل المرء.

أفول

من جانبها، تحمل الكاتبة والناشرة د. مريم الشناصي رؤية مخلتفة نوعا ما، حيث أشارت إلى أن هذه الكتب بدأت في الأفول بعد أن تسيدت المشهد وقتاً طويلاً، خاصة المترجمة منها، وأن الإقبال عليها لم يعد كما كان عليه سابقا.

ولفتت الشناصي إلى أن سر انتشار هذه الكتب وذيوعها خلال الأعوام الماضية، مرده تلك العناوين الجاذبة التي تحملها، وتتحدث عن كيفية تحقيق النجاح والسعادة وغير ذلك، وهي أشياء يتمنى أن يحققها أي إنسان، لذلك يسعى إلى مثل هذه الكتب لعله يجد ضالته فيها.

وذكرت أن هذه الكتب قد انتشرت بصورة خاصة، وسط فئات الشباب والموظفين، لتعينهم لتطوير مهارتهم الوظيفية، كما أن أصحاب المناصب العليا أيضاً يسعون إلى زيادة قدراتهم من أجل أن تكون لهم حظوة في مؤسساتهم، ومن أجل الترقي في السلّم الوظيفي.

وأوضحت الشناصي، أن الطلاب كذلك يهتمون بهذه النوعية من الكتب، لزيادة معارفهم واكتشاف ذواتهم، وما يمكن أن يعينهم على النجاح في مستقبلهم بعد إكمال تعليمهم، خاصة مع توسع الجامعات والمعاهد العليا والتعليم الإلكتروني، بحيث أصبح الجميع يتساوى في التحصيل الأكاديمي، وبالتالي لا بد من وسيلة لكسب مهارات من أجل التميز، فكانت تلك الكتب بمثابة اكتشاف جديد.

وذكرت الشناصي، أن هناك، إلى جانب الكتب، دورات متخصصة في تطوير الذات والتنمية البشرية، وهي الأخرى وجدت قبولاً واسعاً، إذ إن جميع الناس يتنافسون من أجل وضع عملي ووظيفي أفضل، عبر الرغبة في اكتساب الخبرات وتنمية المهارات، وكل شخص يريد أن يكون له حصة للتفوق على الآخر في المعارف، وحيث إن التنافس الشديد هو ما خلق هذا الواقع، وتلك الرغبة في اقتناء هذه الكتب، إضافة إلى أن العصر الراهن بما فيه من قيم الاستهلاك، جعل البعض يتجهون إلى مواضيع أخرى ضمن كتب التنمية الذاتية، مثل البحث عن السعادة وغيرها، ما جعل تلك المؤلفات هي الأعلى مبيعاً لأنها تداعب الأحلام والطموحات.

اقرأ أيضاً:

خلطة فكرية ساذجة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4bmyekj2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"