د. محمد الصياد *
قضايا تغيّر المناخ كبُرت، وتشعبت، وتعقدت، مع تقدم سير المفاوضات بين مختلف أطراف التفاوض ذات المصالح الاقتصادية المختلفة، المتباينة كثيراً، والمتقاطعة قليلاً. منها على سبيل المثال، موضوع كيفية معالجة مشكلة ضآلة محصول المنتوج النهائي للمفاوضات، من خلال بعض «التحويرات»، أو إعادة هندسة الهياكل التنفيذية والإدارية والفنية للمؤسسات والأطر الحالية المعنية بقضايا تغيّر المناخ، بغية توظيف أفضل للوقت، وزيادة فعالية الاجتماعات والمفاوضات والمؤسسات المؤطرة لها.
وصار لكل مرحلة من مراحل التفاوض، طابعها وبصمتها الخاصة. فرغم استمرار سيطرة موضوع التخفيف (خفض الانبعاثات «Mitigation») على الأجندة المناخية التفاوضية الرئيسية، رغم محاولة موضوعَي التكيف (Adaptation)، والتمويل (Climate finance) مزاحمته على الأولوية، إلا أن قضايا جديدة وأخرى مستجدة، راحت مع الوقت تفرض نفسها على طاولة التفاوض، من بينها على سبيل المثال، موضوع الأضرار والخسائر (Loss and Damage) التي تتعرض لها الدول النامية جراء التغيرات المناخية المتطرفة، والذي من المرجح أن تشهد دبي التي تستضيف مؤتمر الأطراف في نسخته الثامنة والعشرين خلال الفترة من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، ولادة المرفق المالي الخاص به، وهو صندوق الخسائر والأضرار.
في نهاية المطاف (بالنسبة إلى وتيرة ومحصلة سير المفاوضات)، الأمر يتعلق بكيفية توفيق المواقف المتغايرة، السياسية - الاقتصادية، بالنسبة إلى طريقة توزيع تكاليف الأضرار البيئية والمناخية الناتجة عن النشاط البشري عبر مراحل التاريخ المختلفة. ومع أهمية القضايا سالفة الذكر (وغيرها من القضايا الفرعية – المهمة أيضاً)، فإن قضية جديدة رئيسية بدأت تفرض نفسها اليوم على جدول أولويات العمل التنموي لكل الدول، والتي بلورتها السنوات الأخيرة من المفاوضات ومحصلاتها، وهي قضية تحوّل الطاقة العالمي«Global energy transition».
في هذا الموضوع البالغ الحيوية والأهمية، والشائك أيضاً، تتغاير الرؤى بشأن المقاربة الأمثل لتجسيده على أرض الواقع. فالدول الأوروبية وأمريكا لها مقاربتها، ولمجموعة ال77+الصين (الدول النامية)، مقارباتها التي تتقاطع في معظمها، وتتغاير في بعض جزئياتها، هنا وهناك. وخلال يومي الاثنين والثلاثاء 17 و18 يوليو/ تموز 2023، انعقد في الصين المؤتمر الوطني للتوازن البيئي وحماية البيئة «The National Conference on Ecological and Environmental Protection»، ألقى خلاله الرئيس الصيني شي جين بينغ، كلمة تضمنت رؤية الصين بشأن تحول الطاقة العالمي. وهي رؤية تشاطر الصين فيها المجموعة العربية التفاوضية، لاسيما المنتجة لمصادر الطاقة التقليدية (Conventional energy sources). الرئيس الصيني اعتبر أن السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة للصين، حيث سيتم التركيز على تغيير العقلية، والتأكد من نهوض الجميع بمسؤولياتهم، والتعزيز المستمر لوعي ومبادرات الأمة بمجملها للحفاظ على توازن العلاقة بين أهداف الحد من الكربون وقرارات الصين التنموية المستقلة. مؤكداً أن الصين في الوقت الذي تلتزم فيه بتحقيق الأهداف التي وعدت بها في مجال المناخ، إلا أنها ستتخذ قراراتها التنموية، وبضمنها سياسة تحويل الطاقة، باستقلالية سيادية عندما يتعلق الأمر بالمسار والأساليب والوتيرة والشدة لتحقيقها، مشدداً على أنه «لا ينبغي لأحد أن يتوقع ممارسة التأثير فينا».
في ألمانيا، بثت هيئة الإذاعة الألمانية الحكومية (قناة دويتشه فيله DW)، فيلماً وثائقياً مدته 42 دقيقة، ألقى ظلالاً من الشك على طاقة الرياح والطاقة الشمسية في ألمانيا، أي على سياسة تحول أو انتقال الطاقة (Energy transition)، بما قد يؤدي إلى انقطاع كامل للتيار الكهربائي في ألمانيا، وهو سيناريو مقلق وحقيقي، كما ورد في الفيلم. وبالفعل بدأت شركة الطاقة الألمانية العملاقة «RWE» بتفكيك مزرعة رياح لإفساح المجال لمزيد من التوسع في منجم فحم الليجنيت المفتوح في المنطقة الغربية من شمال الراين وستفاليا. وتم بالفعل تفكيك إحدى توربينات الرياح، ومن المقرر إزالة سبعة توربينات أخرى لاستخراج ما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون طن إضافية مما يسمى بالفحم البني، الأكثر تلويثاً بين مصادر الطاقة (Lignite coal أو Brown coal، هو الفحم الأكثر رداءة بين أنواع الفحم وأكثرها تركيزاً للكربون، ويستخدم أساساً لتوليد الكهرباء). لكن ذلك لم يثنِ المستشار الألماني، أولاف شولتس، عن التأكيد أن هذا لن يدفعه لإعادة إحياء محطات الطاقة النووية.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية