تحقيق: محمد إبراهيم
تعدّ مجالس أولياء الأمور في المدارس، من أبرز الأدوات التربوية التي تؤدي دوراً أساسياً في العملية التعليمية؛ إذ تعزز التواصل بين المدرسة والآباء، لتبادل المعلومات والخبرات، وطرح المقترحات التي تسهم في الارتقاء بدور المدرسة، وجودة الخدمات التعليمية.
ومع أهمية هذه المجالس، فإنها صورية ومبهمة في بعض المدارس الخاصة، وتتأرجح بين الضرورة والوجاهة الاجتماعية، في ظل غياب الرقابة على اجتماعاتها الدورية، وتفاعل الإدارة المدرسية مع مقترحات أولياء الأمور.
وفي التحقيق الآتي، تناقش «الخليج»، مع الميدان التربوي بمختلف فئاته، أهمية مجالس أولياء الأمور، وتأثيرها في صناعة القرار المدرسي، وتطرح التساؤل عن تمتعها بصلاحيات فعلية تستطيع الارتقاء بمستوى التعليم.
أكد عدد من أولياء الأمور، أن هذه المجالس موجودة فعلياً، وتشكّل سنوياً، وفق هيكلة تعتمدها الجهات المعنية بالتعليم الخاص، لكنها - على حد وصفهم - تظل نائمة طوال العام حتى يأتي عام دراسي جديد، ليعاد تشكيلها. مؤكدين أن الآباء لا يملكون القدرة على تغيير قرارات المدرسة في بعض الأمور، حتى لو كانت خطأ، والمقترحات في الأغلب لا تلقى الاهتمام المناسب.
مديرو مدارس
في المقابل أكد عدد من مديري المدارس، أن مجلس أولياء الأمور شريك أساسي في صناعة القرار في الإدارة المدرسية، ودائماً ما ترصد الاعتراضات والتوقعات والمقترحات، خلال الاجتماعات الدورية التي تقام في الأغلب مع بداية كل فصل دراسي ونهايته؛ إذ تنظرها لجنة داخلية، وتدرس مدى إمكانية تطبيقها، ما دامت تصب في مصلحة الطالب.
تربويون
بينما يرى تربويون أن مجالس أولياء الأمور أداة «خاملة في المدارس الخاصة؛ إذ إن الإدارات المدرسية تشرف على تشكيلها، والرقابة على اجتماعاتها ومخرجاتها، وهذا في حد ذاته خلل كبير؛ إذ إنه لا يجوز أن تشكل المدارس، المجالس وتقوم بدور الرقابة والتقييم في الوقت نفسه.
وأكد خبراء أهمية إعادة صياغة مهام مجالس أولياء الأمور، بدءاً من الترشيح، وصولاً إلى آليات وضوابط انعقاد الضوابط والإجراءات، وصولاً إلى الرقابة والتقييم من لجنة محايدة خارجية؛ للتأكد من فاعلية هذه المجالس في القيام بأدوارها ومشاركتها الفاعلة في العملية التعليمية.
أولويات المدارس
البداية كانت مع رصد «الخليج» لمشهد مجالس أولياء الأمور في التعليم الخاص خلال العام الدراسي الجاري؛ إذ تصدرت أولويات المدارس الخاصة تشكيل مجالس أولياء الأمور، وتوالت المراسلة من الإدارات إلى أولياء الأمور، للمشاركة في مجالس الآباء، لتطوير الشراكة بين الوالدين والمدرسة، وركزت بعض الإدارات على تجديد هيكلة فريق المجلس، وأتاحت الفرصة لجميع أولياء الأمور للعضوية، من دون تحديد مهام معينة للفريق، واكتفت بوصفهم ب«الأعضاء الناشطين». وعلى الرغم من أن تلك المجالس تمنح أولياء الأمور الفرصة للمشاركة في العملية التعليمية والإسهام في وضع السياسات والخطط التربوية والأنشطة والفعاليات، فإن عملية الرصد كشفت عن تدني ثقافة أولياء الأمور عن أدوارهم في تلك المجالس، وعدم السماح لهم في تغيير القرارات المدرسية وإن كانت خطأ، أو المشاركة في صناعة التغيير والتطوير، ولا يتم التعامل مع مقترحاتهم بجدية كافية، وقد تكون الاجتماعات الدورية معدومة في بعض المدارس، ولا تنشط إلا بالمصادفة عند زيارة فرق الرقابة والتقييم للمدارس، لتظل «نائمة» على مدار العام.
في وقت وجدت مجالس أولياء الأمور في المدارس الخاصة، لتحقيق مبدأ الشراكة المجتمعية بين المدرسة والأسرة والمجتمع، لأن تلك المجالس من أهم آليات تحقيق مبدأ الشراكة المجتمعية في التعليم؛ حيث تسهم في ربط المدرسة بالأسرة والمجتمع، وتعزيز التواصل والتعاون بينهما، ومن المفترض أن تدعم المجالس جهود المدارس والمؤسسات التربوية، بتقديم المشورة والاقتراحات، والمساعدة في حل المشكلات، والمشاركة في القرار من أجل التطوير.
قرار نهائي
في وقفة مع عدد من أولياء الأمور الأعضاء في تلك المجالس، أكد كل من سماح.م، وشاهين.ع، وفوزية.أ، حمدان.ح، أن هناك مجالس فعلية في المدارس، وتشكّل وفق ضوابط وانتخابات، ولكن القرار النهائي في اختيار العضوية أو بقائها، فهو في أيدي إدارات المدارس. موضحين أنه لا توجد جدولة زمنية لانعقاد اجتماعات المجلس ومعظم الأعضاء لا يعرفون بعضهم لهذا السبب.
وفي ردهم على سؤال عن أدوارهم ومدى تأثيرها في القرار التربوي، أفادوا بأن مشاركتهم محدودة في هذا الشأن، ولم يصادف تداخل فعلي مع الإدارة المدرسية، لتعديل أو تغيير بعض قراراتها. مؤكدين أن حضورهم لافت عند زيارة فرق الرقابة للمدارس، للرد على بعض الاستفسارات. موضحين أن ليس لديهم صلاحيات القرار أو المشاركة في صناعته كما يدعي بعضهم، وإدارات المدارس هي الرقيب الوحيد على تلك المجالس، وأعظم مشاركاتهم تكمن في تقديم بعض المساهمات المتواضعة عند اختيار بعض الأنشطة، ولم يسجل أحد منهم فهمه العميق لمكونات المجلس وأهميته ودوره في العملية التعليمية.
ضرورة وليست وجاهة
وفي مداخلة مع عدد من التربويين «فؤاد.ر، سلمى.ح، عبد الله.م، شيماء.ه»، أكدوا أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل مجالس أولياء الأمور ضرورة في المدارس، أبرزها كسر الحواجز بين المدرسة والوالدين، وتوفير قنوات تواصل فاعلة بينهما، ما يسهم في تبادل المعلومات والخبرات، وبناء الثقة والتفاهم بين الطرفين، فضلاً عن منح أولياء الأمور حق المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في العملية التعليمية، ما يسهم في تحسين جودة التعليم، والتركيز على حل المشكلات التي تواجه الطلاب، سواء كانت أكاديمية أو سلوكية أو اجتماعية، وهو ما يساعد في ضمان حصول الطلاب على التعليم الأفضل.
وأفادوا بأن هناك مدارس تتعامل مع مجالس أولياء الأمور على أنها مجرد وجاهة اجتماعية، وجانب تكميلي في منظومة المدرسة؛ حيث لا تؤدي دوراً فاعلاً في العملية التعليمية، وفي الأغلب تقتصر اجتماعاتها على مناقشة الموضوعات التافهة أو التقليدية، ولا تؤثر في القرار المدرسي، ولا تشارك في عملية تطوير العملية التعليمية.
أداة فاعلة
في المقابل أكد مديرو مدارس: الدكتور فارس الجبور، وسلمى عيد، ورانا حجازي، وشيماء عطا الله، أن مجالس أولياء الأمور أداة تربوية فاعلة تسهم بقوة في تحسين العملية التعليمية، وهنا يكمن اهتمام الإدارات بوجودها ضمن المنظومة المدرسية، موضحين أن أعضاء المجلس لا يأتون عشوائياً أو بالتوصيات ولكن عبر انتخابات تُجرى تحت إشراف المدرسة، وهناك أدوار ومهام للمجلس على مدار العام، ومشاركة حقيقية في صناعة القرار التعليمي فضلاً عن الأخذ في الحسبان، أي مقترحات مقدمة، ما دامت تصب في مصلحة الطالب، وتشمل اللوائح والضوابط المعمول بها في التعليم الخاص.
ونفى فريق آخر ضم «س.ن، ل.ح، ص.خ، وأ.ع» عدم فاعلية المجالس، ورفض فكرة أن يكون تشكيلها مجرد وجاهة اجتماعية أو أدوات تكميلية لمنظومة المدرسة، لا سيما أن المجلس يدار وفق لوائح وضوابط، ولكن تحفظوا عن الإجابة عن سؤال حول أسباب عدم انتظام اجتماعات المجلس، وإهمال مقترحات أولياء الأمور المقدمة عبر المجلس، ولم يكن لديهم دلائل على تطبيق بعض مقترحات أولياء الأمور، ولم نشهد أي مشاركات فاعلة سابقة من الوالدين تم التعامل معها بفاعلية أو تم بموجبها تغير أحد قرارات الإدارة المدرسية، ليبقى السؤال أين فاعلية تلك المجالس؟ وما الدور المؤثر الحقيقي لدى بعض إدارات المدارس الخاصة؟
استدامة التواصل
أكدت الخبيرة التربوية آمنة المازمي، أهمية مجالس أولياء الأمور في المدارس الخاصة، لتعزيز استدامة التواصل بين الإدارة المدرسية والوالدين، ومساعدة المدرسة في تطوير البرامج التعليمية والتربوية، ودعم الأنشطة المدرسية، فضلاً عن رفع مستوى الوعي التربوي لدى أولياء الأمور. موضحة تنظيم عمل مجالس أولياء الأمور في المدارس الخاصة في الإمارات، بإصدار لوائح وتعليمات محددة، توضح اختصاصات المجالس ومسؤولياتها. كما يختار أعضاء المجالس، بانتخابات تنظّمها المدارس.
وأفادت بأن هناك تفاوتاً في آليات عمل تلك المجالس؛ إذ تختلف من مدرسة إلى أخرى، فهناك من يستند إليها ويفعلها بشكل صحيح، وهناك من يتعامل مع وجودها «صورياً»، وهذا يتوجب وجود فرق رقابة محايدة من خارج المدرسة، للوقوف على تقييمات دقيقة لعمل تلك المجالس ومخرجاتها، فضلاً عن ضبط إيقاع عملها وفق مستهدفات وإجراءات ثابتة تحمل الغرض الذي وجدت من أجله هذه المجالس.
4 مسارات
أكدت الخبيرة التربوية آمنة المازمي، أن هناك 4 مسارات تؤثر في فاعلية مجالس أولياء الأمور، أبرزها اختيار أعضاء المجلس بعناية؛ بحيث يمثلون جميع فئات أولياء الأمور، وتكون لديهم المهارات والقدرات اللازمة للقيام بمهامهم، ويجب تنظيم اجتماعات المجلس بشكل منظم وفعّال؛ بحيث تناقش الموضوعات المهمة، وتتّخذ القرارات المناسبة، وينبغي وجود تعاون وثيق بين المدرسة وأولياء الأمور؛ بحيث يعملان معاً لتحقيق الأهداف المشتركة.
أدوار وصلاحيات
كشفت عملية رصد «الخليج» عن حاجة مجتمع أولياء الأمور إلى التوعية والتثقيف بشكل أعمق، فيما يخص أدوارهم وصلاحياتهم في المجالس، فضلاً عن الأدوار الجديدة التي أفرزتها المتغيرات والتطورات المشهودة في التعليم في دولة الإمارات، وتؤكد أن ولي الأمر شريك أساسي في صنع القرار التربوي، وبناء السياسات التعليمية وفق احتياجات ومتطلبات كل مرحلة.