وليد عثمان
ربما يكون البابا فرنسيس الصوت الغربي الوحيد، حتى الآن، الذي أدرك بقلبه جوهر مأساة المهاجرين الذين يتدفقون منذ سنوات على أمريكا وأوروبا، وخطف تدفقهم في الأيام الماضية إلى بعض المناطق الأنظار، من أحداث كبرى في العالم.
من قلب فرنسا، قال البابا إن «الذين يخاطرون بحياتهم في البحر ليسوا غزاة، بل هم طالبو ضيافة»، وهو أمر طبعاً لا يروق لصنّاع السياسة في الغرب، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي تبحث في كل اتجاه عن وسائل لصدّ هؤلاء المهاجرين، وسبل التضييق عليهم، وصولاً إلى إعادتهم إلى بلدانهم.
دعا البابا فرنسيس الحكومات الأوروبية إلى استضافة المهاجرين، وعدم اعتبارهم غزاة، متجاوزاً السياسيين بقدرته على تقديم فهم أعمق لمسألة الهجرة التي وصفها بواقع ثابت في زمننا، وظاهرة تشمل ثلاث قارات حول البحر الأبيض المتوسط. ونصح بالتعامل مع القضية بحكمة وبُعد نظر، ومسؤولية أوروبية، تستطيع أن تواجه الصعوبات الواقعية.
انشغل البابا فرنسيس، بما يرمز إليه من روحية، بالخطر الذي يتهدد حياة المهاجرين إذا لم ينقلوا إلى بر الأمان؛ لأن «هناك صرخة ألَم مُدوّية أكثر من أيّ شيء آخر تحوّل بحرنا إلى بحر الأموات، وتحول البحر الأبيض المتوسط من مهد الحضارة إلى قبر الكرامة».
ورغم قيمة هذه الرسالة الصادرة عن مرجعية دينية لها اعتبارها، لا أمل في أن تجد آذاناً صاغية لدى صنّاع السياسة، فالخطر الذي تحدث عنه البابا، نظر إليه جوزيب بوريل، الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نظرة مغايرة وهو يحذر من أن الهجرة يمكن أن تشكل قوة تفكك الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى أن دوله لم تستقر على صيغة مشتركة لمعالجة هذا الأمر.
ولعل فيما قاله جوزيب بوريل بعض الصحة في ما يتعلق بتباين طرق تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع ملف الهجرة، لكن الأمر لا يمكن أن يبلغ حد تهديد أواصر الاتحاد الأوروبي، فدوله تملك حلولاً لكنها تتباطأ في تبنيها أو تنفيذها، ومنها الإسهام الجدي في تجفيف منابع الهجرة، ليس بترك من اختاروها ليموتوا في البحر أو احتجازهم في معسكرات، وإنما بمساعدة الدول التي تمثل نقاط انطلاقهم إلى أوروبا.
من هذه الحلول الاتفاق المبرم بين المفوضية الأوروبية وتونس، باعتبارها أحد منطلقات المهاجرين، في يوليو/ تموز الماضي ويقضي بدعمها مادياً للتصدي لهذه الزيارة، وهو ما بدأ تنفيذه قبل أيام، لكن بعد أن تدفقت أعداد كبيرة إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وتزامن مع ذلك وصول عشرات المهاجرين إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، يحدوهم الأمل في دخول الولايات المتحدة.
لم تعد قضية الهجرة في حاجة إلى البحث عن أسبابها التي يتحمل الغرب جزءاً منها، وليس الحل في اعتبار المهاجرين مصدر خطر من أي نوع، فيما أن التعاون الجدي في محو هذه الأسباب مع الدول التي ينطلقون منها على غرار ما جرى مع تونس، رغم معارضة دول أوروبية له، يشكل حلاً.