كتب: المحرر السياسي
مع إسدال الستار عن اجتماع الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في دورتها ال78، أتيح للمجتمع الدولي مرة أخرى فرصة فريدة لمعالجة القضايا العالمية الملحّة، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية، وتحديد المسار لمستقبل أكثر سلاماً واستدامة.
مثّل العام 2023 خروجاً واضحاً عن الاجتماعات السابقة، حيث تطوّر المشهد العالمي بشكل كبير، إذ وصل تغيّر المناخ إلى منعطف حرج هذا العام، حيث إن الحقائق الصارخة المتمثلة في الأحداث المناخية الأكثر تواتراً وشدة، وارتفاع منسوب مياه البحر، واضطرابات النظام البيئي، جعلت من المستحيل تجاهلها.
وخلافاً للسنوات السابقة، فإن تغيّر المناخ ليس مجرد موضوع للمناقشة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهي أزمة ملحّة تتطلب اتخاذ إجراءات ملموسة.
وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته أمام قادة العالم، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بمكافحة الجوع، وحثّ الدول الأعضاء على العمل لإنهاء ما وصفها بأزمة الأرض الثلاثية الأبعاد المتمثلة في تغيّر المناخ والتلوث وفقدان تنوع الأحياء.
وقال غوتيريش إن 15% فقط من أهداف التنمية للعام الجاري والخاصة بالقضاء على الجوع والفقر المدقع ومكافحة تغيّر المناخ، تسير على الطريق الصحيح بينما يسير كثير منها في الاتجاه المعاكس، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات بشأن الجوع الذي قال إنه وصمة عار على جبين الإنسانية، وانتهاك لحقوق الإنسان في عالم الوفرة الذي نعيش فيه.
ناقوس الخطر
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمام الجمعية العامة دعمه توسيع مجلس الأمن وزيادة عدد الأعضاء الدائمين فيه، وتطرق لأبرز الملفات الدولية منها المناخ.
وقال بايدن، إن إدارته قامت بسلسلة من المشاورات من أجل توسيع مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه الدائمين، مضيفاً أنها ستستمر في ذلك. وتابع أن مستقبل بلاده مرتبط بمستقبل العالم وأنه لا يمكن لأي دولة أن تواجه تحديات اليوم بمفردها. كما تحدث عن استمرار الجهود الأمريكية لإصلاح منظمة التجارة العالمية والحفاظ على المنافسة والانفتاح والشفافية وسيادة القانون.
وأضاف الرئيس الأمريكي إن هناك حاجة إلى المزيد من الاستثمارات وحشد التمويل لمقاومة تغير المناخ والحد من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري.
في حين دق زعماء الدول في المحيط الهادئ بشكل جماعي ناقوس الخطر بشأن المسيرة المستمرة لتغير المناخ، والتي تميزت بارتفاع منسوب مياه البحر، والظواهر الجوية المتطرفة وتآكل السواحل، مما أدى إلى إحداث الفوضى وتهديد وجود أوطانهم ذاتها.
ودعا رؤساء دول كيريباتي وتيمور الشرقية وميكرونيزيا وناورو، في كلمتهم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تسريع العمل المناخي، وحثوا كبار المسؤولين عن الانبعاثات في جميع أنحاء العالم على الالتزام بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من أن هذه الدول تساهم بشكل ضئيل في الانبعاثات العالمية، فقد سلطت الضوء على طموحاتها الجريئة للحد من آثارها الكربونية، والتي تجسدت في تعهد ميكرونيزيا بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء بنسبة تزيد على 65% عن مستويات عام 2000.
كما سلط الزعماء الضوء على التحديات التي تتراوح بين الفقر والرعاية الصحية الجيدة، وتسخير التكنولوجيا ومكافحة الفساد.
وشدد رئيس كيريباتي، تانيتي ماماو، على أهمية إعادة بناء الثقة، وخاصة في عالم يواجه التوترات الجيوسياسية والفوارق الاقتصادية والتحديات غير المتوقعة مثل الأوبئة والأزمات المرتبطة بالمناخ. وأشار إلى التزام بلاده بخطة عام 2030 وحدد البرامج اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني.
وقال: «لضمان الاستدامة وملكية أهدافنا التنموية المنشودة، شاركنا في مشاورات مكثفة على جميع المستويات». وأضاف: «إن تعزيز الرخاء أمر ضروري للحفاظ على السلام، وبالتالي فإن الحكومة ملتزمة بالمبادئ التي تركز على الناس، ووضع المواطنين في قلب قراراتنا وخدماتنا، وتعزيز الحكم الشفاف».
المناخ والأمن
ولفت خوسيه راموس هورتا، رئيس تيمور الشرقية، الانتباه إلى تأثير ارتفاع درجات الحرارة في تفاقم الصراعات وأعمال العنف، ولا سيما في الدول الضعيفة.
وقال: «نحن بحاجة إلى نظرة جديدة بشأن العلاقة بين المناخ والأمن، والتي ستعالج آثار تغير المناخ والتدهور البيئي على السلام والأمن وتضمن ألا يؤدي السعي إلى تحول الطاقة إلى تفاقم الوضع الأمني في البلدان الهشة».
وأشار الرئيس راموس هورتا إلى أن المساعدة الإنمائية الخارجية تراجعت بشكل مستمر منذ أزمة الرهن العقاري في عام 2007، والتي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
وشدد على أنه سيكون بمثابة «قفزة إلى الأمام» في التضامن الدولي إذا خصصت بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني للمساعدة الإنمائية الرسمية. وأوضح: «سنرى تأثيرات إيجابية على معدلات الفقر والأمن الغذائي والحصول على الخدمات الصحية الأساسية والتعليم والكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي والإسكان والضمان الاجتماعي، مع آثار مضاعفة على تنويع الاقتصادات، وخاصة في الزراعة».
وأكد ويسلي سيمينا، رئيس ولايات ميكرونيزيا الموحدة، على اتفاق باريس باعتباره أداة حاسمة لمعالجة أزمة المناخ، على الرغم من أن الالتزامات الحالية بموجب الاتفاق لم تكن كافية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، وهو هدف حاسم بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة مثل ميكرونيزيا. وأكد أهمية «النهج الإلزامي سريع المفعول»، المصمم على غرار الاتفاقيات البيئية الناجحة مثل بروتوكول مونتريال، لخفض انبعاثات غاز الميثان وغيره من ملوثات المناخ قصيرة الأجل.
كما تعهدت الصين بمواصلة تعزيز مبادرة التنمية العالمية وأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، خلال الدورة ال78 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال نائب الرئيس الصيني هان تشنغ إن الصين تسعى إلى الجمع بين تنفيذ أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 واستراتيجياتها التنموية الوطنية المتوسطة والطويلة الأجل، وتدمج دائما تنميتها مع الرخاء والاستقرار العالميين.
وأوضح أن بلاده ستساعد بنشاط دول الجنوب العالمي باتخاذ إجراءات ملموسة، وستواصل العمل مع جميع الأطراف لتقديم مساهمات إيجابية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الموعد المحدد وبناء مجتمع تنمية عالمي.
ولتحقيق هذه الغاية، شرح هان مقترحات الصين الأربعة، وهي وضع التنمية بقوة في قلب الأجندة العالمية، وبناء اقتصاد عالمي مفتوح، واغتنام الفرصة التاريخية للجولة الجديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية، وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية.