د. عمرو هاشم ربيع *
مع انتهاء جلسات الحوار الوطني في مصر، تم الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية على مرحلتين، تبدأ الأولى أيام 1 و2 و3 ديسمبر/ كانون الأول، للمصريين في الخارج، على أن تجري انتخابات الداخل أيام 10 و11 و12 من الشهر نفسه.
وكانت المجموعة الأولى من مخرجات الحوار، صدرت يومي 18 يوليو/ تموز الماضي، و17سبتمبر/ أيلول الجاري، وكان ضمن المخرجات معالجة الشأنين السياسي والاقتصادي.
أبرز ما جاء في المخرجات السياسية معالجة الشأن الانتخابي الممثل في عقد انتخابات الرئاسة، وكذلك ضرورة إجراء انتخابات المحليات. أما أبرز ما جاء في الشأن الاقتصادي فكان التوصيات الخاصة بالزراعة.
وفي انتخابات الرئاسة كانت هناك مجموعتان من المخرجات للحوار الوطني. الأول، مدّ الإشراف القضائي بمعادلة قاض على كل صندوق انتخابي لما بعد 17يناير/ كانون الثاني 2024، وهذا الأمر لم تستحسنه السلطة التنفيذية، لما وجدت فيه أنه سيواجه بشبهة عدم الدستورية، على اعتبار أن الإشراف وفق تلك المعادلة أقرته المادة 210 من الدستور لمدة 10سنوات غير قابلة للتمديد. من تقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية بشكل دستوري وفق معادلة قاض على كل صندوق.
استحقاق الانتخابات الرئاسية
الأمر الثاني المتصل بالانتخابات الرئاسية، هو ما أوصى به الحوار الوطني في شأنها، باعتبارها كما قال مجلس الأمناء، أرفع وأهم الاستحقاقات السياسية والدستورية في النظام السياسي المصري. وهنا كان التأكيد على أن المجلس ينظر إلى هذا الاستحقاق بوصفه فرصة إضافية لخلق المساحات المشتركة بين جميع مكونات المجتمع المصري في نخبه، وجماهيره، تأسيساً للجمهورية الجديدة وفقاً للدعوة الرئاسية لهذا الحوار. كما أوصى المجلس كل القوى الفاعلة في الحياة السياسية، المؤيدة والمعارضة والمستقلين، بالنظر إلى انتخابات الرئاسة على أنها استحقاق مهم لتدعيم مسار دولة القانون المدنية الديمقراطية الحديثة، وليست مجرد حدث سياسي كبير له أهميته المعهودة. وقد أشار المجلس، في بيانه الذي رفعه لرئيس الجمهورية، باعتباره الداعي إلى الحوار الوطني، إلى أن المطلوب من أجهزة ومؤسسات الدولة الوقوف على مسافة واحدة من جميع المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية، بشكل يضمن الحقوق الدستورية والقانونية لهم، والفرص المتكافئة، لذلك لزم التأكيد على الحق لمن يريد الترشح لهذا المنصب في حرية الحركة والسعي لجمع التأييدات، والاتصال بالناخبين والتغطية الإعلامية بشكل متكافئ، كل على قدر طاقته وثقة الجمهور به، وفي حدود القانون.
وذكر أنه يلزم تشجيع المواطنين على المشاركة الإيجابية في الانتخابات باعتبارهم الهدف الأسمى لأي عملية سياسية في البلاد، وبما يتلاءم مع الاهتمام، المحلي والدولي، بهذه الانتخابات، باعتبارها الاستحقاق الانتخابي الأهم.
إضافة إلى كل ذلك كانت هناك إشارة مهمة في بيان المجلس، بالتأكيد على ضرورة توعية الناخبين بجوانب العملية الانتخابية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية ووسائل وأجهزة الإعلام المختلفة، حسب رؤية الهيئة الوطنية للانتخابات بالتعاون مع الأجهزة المعنية والجداول الزمنية الخاصة بالعملية الانتخابية
تسهيل الانتخابات في الخارج
ولا يقل أهمية عن كل ذلك تسهيل الإجراءات اللازمة لمشاركة المصريين في الخارج في هذا الاستحقاق الدستوري المهم، بوضع القواعد المنظمة لذلك، بما يتوافق والأوضاع الخاصة للمصريين المقيمين في الخارج، وبما يتضمنه ذلك من تحديد مقار هذه اللجان وأعدادها، في الوقت المناسب وبالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية. وأيضاً، توسيع مشاركة الأشخاص ذوي الهمم في الحياة العامة، وتيسير إجراءات ممارستهم لهذا الحق.
ولما كان كل ما سبق يحتاج إلى وضع إطار عام له، فقد أشار المجلس إلى أن هذا يعني الالتزام الكامل والمعلن من كل الأطراف، السياسية والمجتمعية، بالاستمرار في رفض ونبذ ومكافحة قوى الإرهاب والتطرف، والذين تلوثت ايديهم بدماء المصرين، وأولئك الذين مارسوا العنف، وحاولوا توظيف الدين في العمل السياسي، والاهتمام بالتربية السياسية للمواطنين.
المجالس المحلية
في الشأن المحلي، فإن الحوار الوطني أوصى بضرورة إحياء المجالس المحلية/ البلدية، عبر سَن قانون الإدارة المحلية. جدير بالذكر أن المجالس المحلية /البلدية منحلة في مصر منذ 2011، وتعمل البلاد منذئذ من دون مجالس محلية، على الرغم من كون تلك المجالس منوط بها بالأساس دعم اللامركزية، ومحاربة الفساد والتطرف والعنف في المجتمعات الجهوية، وكذلك تسويق مشاريع الاستثمار في البيئة المحلية. وقد أقر الحوار الوطني في هذا الصدد، في شأن انتخابات تلك المجالس، الجمع بين القائمة المطلقة بنسبة 75% والقائمة النسبية المنقوصة بنسبة 25% بحد أدنى ثلاثة أفراد في تلك القائمة. والمعروف أن القوائم المطلقة نظام انتخابي مهجور دولياً، وقد رأى الحوار الوطني أنه مضطر إليه بسبب الكوتة الدستورية للمرأة والشباب والعمال والفلاحين والمسيحيين وذوي الإعاقة.
الزراعة
أخيراً، تداخل الحوار الوطني في قضية الزراعة، بسبب كثرة المشكلات التي يعانيها الفلاح، بدءاً من مشكلة المياه والري، وانتهاء بتسويق المحاصيل، مروراً بمشكلات البذور والأسمدة وتفتيت الحيازات. وكل تلك المشكلات أثرت، بشكل كبير، في الفلاح وفي إنتاج الغذاء. هنا توافق الحوار الوطني على التوسع في المحاصيل التعاقدية، أي تلك التي يضمن الفلاح تسويقها ومعرفة أسعارها قبل أسابيع من زراعتها، وتطبيق نظام الدورة الزراعية للتغلب على تفتيت الحيازات الزراعية، ومعالجة مسألة نقص الأسمدة الزراعية ومثالب توزيع المبيدات والأسمدة بمواجهة السوق السوداء، وتفعيل أحكام قانون صندوق التكافل الزراعي، ووضع آلية تضمن حصول مستأجري الأراضي الزراعية من صغار الفلاحين على مستلزمات الإنتاج الزراعي، وسرعة إنشاء بورصة السلع الزراعية، ووضع خريطة زراعية استثمارية في ربوع مصر.
هكذا، جاءت مخرجات الحوار الوطني، والتي يؤمل من خلالها أن تجد طريقها إلى التنفيذ قريباً، خاصة أن الكثير منها مرتبط بإجراءات تنفيذية، والقليل منها مرتبط بإجراءات تشريعية. كما أن ارتباط أغلب ما ذكر بالشأن السياسي عامة، وانتخابات الرئاسة خاصة، يجعل هناك ضرورة في سرعة تنفيذها، لا سيما وأن الأمور السياسية غير مكلفة مادياً، لكنها تحتاج إلى حسن النوايا فقط.
* عضو مجلس أمناء الحوار الوطني. نائب مدير مركز الدراسات بالأهرام