عادي

رسائل زيارة الأسد إلى الصين

22:52 مساء
قراءة 3 دقائق

د. أحمد قنديل *

تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الصيني شي جين بينغ لحضور مراسم افتتاح الدورة التاسعة عشرة للألعاب الآسيوية بمدينة هانغتشو الصينية، قام الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته، بزيارة إلى الصين خلال الفترة ما بين 22 و25 سبتمبر/أيلول 2023.

حملت هذه الزيارة، التي تعد الأولى للرئيس السوري إلى الصين منذ حوالي 19عاماً، رسالة سياسية قوية، بسبب ما يمكن أن تقدّمه بكين إلى دمشق، بدءاً بتخصيص طائرة صينية لنقل الرئيس الأسد والوفد المرافق له إلى بكين، ومروراً بتحطيم العزلة السياسية المفروضة عليه، من خلال حضوره افتتاح الألعاب الآسيوية، بحضور اثني عشر من قادة الدول الآسيوية، وانتهاء بالتوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وذلك بعد مرور حوالي عام على توقيع الشراكة الصينية السورية في مبادرة الحزام والطريق في يناير/كانون الثاني 2022.

دمشق، وجدت في بكين حليفاً سياسياً يمكن الوثوق به في مواجهة العقوبات القاسية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا وسويسرا. حيث استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في ثماني مناسبات على الأقل ضد قرارات للأمم المتحدة ضد حكومة الرئيس الأسد.

الشراكة الاستراتيجية

كما عرض الرئيس الصيني، خلال لقائه مع الرئيس السوري، مساعدة دمشق في إعادة بناء اقتصادها ومواجهة «الاضطرابات الداخلية»، وهو الأمر الذي يمثل «انقلاباً» في السياسة الصينية تجاه سوريا، حيث فضلت بكين، خلال العقد الماضي، عدم إعطاء الدعم العسكري والمالي المباشر للحكومة السورية من أجل استعادة السيطرة على البلاد، وذلك على خلاف ما قامت به إيران وروسيا.

وتكشف «الشراكة الاستراتيجية» التي أُعلن عنها بين الصين وسوريا، الضوء عن المساعي الصينية لتعزيز دورها على الساحة العالمية عامة وفي الشرق الأوسط خاصة. فمنذ سنوات تنتهج الحكومة الصينية نهجاً دبلوماسياً يهدف لإبراز حضورها السياسي والاقتصادي، وتطوير علاقات مع دول عانت منذ سنوات الحرب والعزلة، كحال سوريا وإيران وفنزويلا وغيرها. كما تأتي هذه الشراكة أيضاً من جانب الصينيين في ظل احتدام الصراع الدولي على بنية النظام الدولي المراد تغييره، وأهمية سوريا الجيوسياسية في منطقة غربي آسيا، من وجهة نظر بكين، إذ يرى الصينيون في المشروع الذي كان الرئيس السوري قد طرحه في عام 2002 لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، عبر ربط «البحار الخمسة»، مشروعاً يتوافق مع مبادرة «الحزام والطريق». ويقوم مشروع الرئيس الأسد في هذا الخصوص على الربط الطُرقي والسككي، وربط خطوط الطاقة بين كل من الصين وإيران والعراق وسوريا. كذلك، تدرك بكين جيداً، من الناحية الأمنية، أهمية دمشق في منع متطرفي الإيغور من «الحزب الإسلامي التركستاني»، والذين يتموضعون في ريف اللاذقية الشمالي وإدلب وريف حلب، من الانتقال إلى أفغانستان ومنها إلى الداخل الصيني. وفي هذا الصدد، يشار إلى أن عدد مقاتلي هذا الحزب (الذي أزالته الولايات المتحدة من قائمة المنظمات الإرهابية في أواخر عام 2020) وعائلاتهم في إدلب كان يزيد على 14 ألف شخص، حسب تقديرات أجهزة الأمن السورية في عام 2021.

التقارب بين دمشق وبكين

ومن ناحيته، سعى الرئيس الأسد من خلال زيارته «التاريخية» إلى الصين تأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع بكين، ونقله إلى الظهور والإعلان الرسمي على المستوى الدولي، وطلب المساعدة في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل الانضمام لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية. وفي هذا السياق، أسفرت الزيارة عن توقيع الرئيس السوري مع الجانب الصيني على ثلاث «وثائق للتعاون» في مجال الاقتصاد، وفق وكالة سانا السورية الرسمية.

على أية حال، يمكن القول إن زيارة الرئيس السوري إلى الصين، رغم أنها تمثل «قفزة كبيرة» في تاريخ العلاقات بين البلدين، بعدما أسفرت عن توقيع اتفاق للشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، فإنه من المرجح أن تستمر السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية الصينية على حذرها في التعامل مع سوريا، حتى لا تقع الشركات الصينية تحت وطأة تطبيق «قانون قيصر» الأمريكي، الذي يفرض عقوبات قاسية على أي شركة أو دولة أو أفراد يتعاملون مع النظام السوري في قطاعات معينة.

ومن ناحية ثانية، من المرجح أيضاً استمرار سياسات الحذر الصينية في التعامل مع دمشق في ظل تواصل الأزمة السورية وعدم التوصل لأية حلول سياسية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وبالتالي منْح المستثمرين الصينيين الطمأنينة في العمل الاقتصادي والتجاري.

وفي مواجهة الحذر الصيني، ستعمل دمشق، على الأرجح، على «زيادة الإغراءات» لجذب الاستثمارات الصينية، من خلال منحها العديد من المشروعات المربحة، مثل مشروع مد أنابيب الصداقة الإيراني إلى البحر المتوسط، أو امتياز البحث عن الغاز الطبيعي أمام شواطئ البحر المتوسط، أو تطوير ميناء بانياس، ومشروعات إعادة إعمار مدينة حلب والاستثمار في مطارها الدولي.

* خبير الشؤون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/299krzk4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"