«الخليج» - وكالات
انتخب الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف الذي يصفه الأدباء العرب والفرنسيون بأنه «مزيج بين الشرق والغرب » الخميس، أميناً عاماً دائماً للأكاديمية الفرنسية، وهو منصب سيشغله مدى الحياة.
ولم يشغل منصب الأمين العام للأكاديمية، سوى 32 شخصاً منذ عام 1634، ويعدّ معلوف أول شخصية من أصل عربي تتولى هذه المهمة.
وكان يُنظر إلى معلوف (74 عاماً) على أنه المرشح الأوفر حظاً لقيادة الأكاديمية، إذ تحظى شخصيته بالإجماع، نظراً إلى انخراطه القوي في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2012.
ويخلف معلوف إيلين كارير دانكوس التي توفيت في أغسطس/آب، وقد فاز بهذا المنصب بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8 لمنافسه وصديقه الكاتب جان كريستوف روفان.
وحصلت عملية الانتخاب بصورة مغلقة، خلال الجلسة الأولى للأكاديمية بعد العودة من الإجازة.
وتضمّ الأكاديمية 40 مقعداً يشغل 28 منها رجال وسبعة عائدة لنساء، فيما ثمة خمسة مقاعد شاغرة في انتظار الانتخابات، ويسمى أعضاؤها بـ«الخالدين»، ومن مهامها الحفاظ على اللغة الفرنسية، وتحديث القواميس.
وإثر انضمامه إلى الأكاديمية عام 2012، نقش معلوف على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز «ماريان» شعار الجمهورية الفرنسية وأرزة لبنان. بحسب شبكة البي بي سي البريطانية .
- جرائم وقيم
وقد توجه جان كريستوف روفان، صديقه وزميله في الأكاديمية ومنافسه في انتخابات الخميس، على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديمية قائلاً: «كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمي يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها».
من جهتها، قالت وزيرة الثقافة ريما عبدالملك، وهي أيضاً فرنسية من أصل لبناني، لدى وصولها إلى مقر الأكاديمية بعد الانتخابات: «إنه اختيار ممتاز، كاتب عظيم، ورجل أخوّة وحوار وتهدئة».
وأكدت أن انتخاب معلوف يحمل «رمزية رائعة لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم».
- حياته
ولد أمين في بيروت في 25 شباط/فبراير 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحفي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر.
وعلى خطى والده، خاض غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة. وتولى بعدها إدارة صحف عربية عريقة.
وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر المغادرة إلى فرنسا.
ويقول: «لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان عليّ اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي».
وفي باريس، انضم إلى مجلة «جون أفريك» الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.
وعلى خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية، لكنه يقول: «إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً».
- سجل حافل بالإنجازات
ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها «ليون الإفريقي» عام 1986، و«سمرقند» عام 1988، و«رحلة بالداسار» عام 2000، و«إخوتنا الغرباء» عام 2020.
أصدر معلوف كتابه الأول بالفرنسية «الحروب الصليبية كما رآها العرب» عام 1983، وظل هذا الكتاب الذي ترجم إلى معظم اللغات الأوروبية يلقى الرواج لمدة عشرين عاماً، ولم تتراجع مبيعاته خلال كل تلك المدة.
ومن كتبه الشهيرة «موانئ المشرق» عام 1996، و«الهويات القاتلة» عام 1998، وحتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب «صخرة طانيوس»، موضحاً: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني». وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة».
وفي كتاب «مقعد على ضفاف السين» عام 2016، يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية منذ تأسيسها.
كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو.
وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.
وبحسب مونت كارلو الدولية، فإن شخصية معلوف تحظى بالإجماع، فهو منخرط جداً في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2011، وله أفضلية بأمور عدة، أبرزها أنّ تبوؤه منصب أمين سرّ دائم للأكاديمية كان ليحظى بتقدير إيلين كارير دانكوس.
- الأكاديمية الفرنسية
وتعود البدايات الأولى للأكاديمية الفرنسية بشكلها الحالي إلى نهاية عشرينات القرن السابع عشر وبداية ثلاثيناته، حيث تكونت مجموعة غير رسمية من الأدباء كانوا يجتمعون في قصر رومبويي. في 22 فبراير من عام 1635م، أصدر الملك لويس الثالث عشر، بتحفيز من الكاردينال ريشيليو، أمره بإنشاء الأكاديمية بشكل رسمي.
كانت أولى مهامها هي تطوير اللغة الفرنسية، ولكنها أُغلقت عام 1793 خلال الثورة الفرنسية، ثم أعاد فتحَها نابليون بونابرت في عام 1803، جزءاً من معهد فرنسا.
وعلي الرغم من جذورها الضاربة في عمق التاريخ، فإنن الأكاديمية الفرنسية لا تعد النموذجَ الأولَ من نوعه، وإنما النموذج الأول هو أكاديمية ديلا كروسكا الإيطالية.
وتتكون الأكاديمية من 40 عضواً. ومنذ تأسيسها فاق عدد الأشخاص الذين نالوا عضويتها السبعمائة، وهم من جميع المهن، فمنهم الكاتب والشاعر والطبيب والعالم، كما يوجد شخصيات عسكرية وفلسفية وغيرهم.
وتنتخب الأكاديمية السكرتير الدائم لها، الذي يستمر إلى حين وفاته أو استقالته. هذا الدوام يجعل من هذا الشخص الأكثر أهمية في المؤسسة. كما تنتخب أيضاً، كل ثلاثة أشهر، رئيساً يترأس الجلسات.
- مهام منصب الأمين العام
وبحسب الوكالة الفرنسية للأنباء، فإن الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسية هو العضو الذي يدير هذه المؤسسة، ولم يشغل هذا المنصب سوى 32 شخصاً منذ سنة 1634م.
وتتمثل إحدى مهام السكرتير الدائم المقبل في ضمان الاستدامة المالية للأكاديمية، التي يشير تقرير أصدره عام 2021، ديوان المحاسبة الفرنسي إلى أنها «غير مضمونة».
ومن بين مهام السكرتير الدائم الأخرى، سعيه إلى استقطاب مرشحين ذوي قيمة كبيرة، فإيلين كارير دانكوس لم تنجح دائماً في محاولاتها تشجيع أو تأييد ترشيحات كتّاب أصغر سناً يحظون بشعبية، إذ لم يستجب ميشيل ويلبيك لدعواتها غير المباشرة، فيما استُبعد كتّاب من أمثال فريديريك بيغبيديه وبونوا دوتورتر.