عادي

قناطر إسنا.. بوابة السياحة والتاريخ في مصر

23:17 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تمنح قناطر إسنا الرابضة على صفحة النيل في صعيد مصر، تأشيرة العبور لعشرات من المراكب السياحية الفاخرة، التي تمخر عباب النهر في رحلات لا تنقطع، إلى العديد من المزارات التاريخية في الجنوب المصري، وتروي بحجارتها العتيقة، قصة تلك المدينة الصغيرة التي تمتد على ضفتي النهر، على مسافة تزيد على خمسين كيلومتراً، والتي تصنف باعتبارها واحدة من أقدم المدن المصرية، وأهم نقاط التجارة بين مصر والقارة الإفريقية، في عصور ما قبل التاريخ.

ويرجع تاريخ بناء قناطر إسنا إلى بدايات القرن التاسع عشر، عندما قرر محمد علي باشا البدء في شق عدد من الترع في مصر، ثم يأتي من بعده الخديوي عباس حلمي الثاني، ليشيد تلك الأعجوبة الفريدة في زمانها، لحجب مياه الفيضان، وتعظيم الاستفادة منها في زراعة العديد من المحاصيل، التي لم تكن موجودة حينذاك في الصعيد المصري، مثل زراعة الحبوب والقمح، إلى جانب زراعة القطن، ومختلف أنواع الموالح والموز، وقد لعبت القناطر دوراً كبيراً في انتعاش الحياة في المدينة، لتتحول في غضون سنوات قليلة إلى قبلة لكبار التجار، الذين استوطنوا فيها، واحدثوا بها ثورة معمارية كبرى، لا تزال آثارها باقية، في العديد من المنازل والأبنية التجارية، التي يتركز أغلبها في شارع الكورنيش الرئيسي.

ويصنف كثير من المعماريين، قناطر إسنا القديمة، التي بناها الإنجليز في عام 1906 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، باعتبارها واحدة من أجمل القناطر في العالم، وقد بنيت تلك القناطر من الحجر القوي، وهي تضم مجموعة من البوابات بالأسفل، للتحكم في المياه، فيما يتميز سطح القناطر بطريق ممهد تم رصفه بحجارة البازلت السوداء، وتضم القناطر القديمة مجرى وحيداً للسفن، يعرف بالهويس، الذي ينتهي إلى صينية دائرية الشكل، مصنوعة من الحديد، وتختص هذه الصينية الدائرية، بفتح وإغلاق الهويس، لعبور السفن ومراكب الشحن التي يطلق عليها اسم «الصندل».

وقد ظلت تلك القناطر تواصل عملها لسنوات، قبل أن تشرع السلطات المصرية في منتصف تسعينات القرن الماضي، في بناء القناطر الثانية، لدعم القناطر الأولى، ولتوليد الكهرباء وحفظ مياه الري، وتتميز القناطر الثانية بوجود ممرين يسمحان بعبور البواخر السياحية، يسمى كل منهما الهويس، وتعمل القناطر الثانية بنفس الطريقة التي تعمل بها قناطر بنما، حيث تسمح للبواخر السياحية القادمة من الأقصر، بالعبور وفق عملية هندسية، حيث تدخل المركب إلى منطقة الرفع، وهي منطقة تتدفق إليها مياه النيل، لترفع مستوى منسوب المياه أسفل بدن السفينة، لتحملها إلى حيث تفتح البوابات على مستوى منسوب المياه في الناحية الأخرى من الهويس، لتواصل إبحارها بعد عملية مثيرة، لا يقطعها سوى أصوات باعة المنتجات التراثية، الذين يصطفون على جانبي الهويس، لعرض بضائعهم المختلفة، وقد يصل الحد ببعضهم إلى ملاحقة السفن العابرة في مياه النيل، بقواربهم الصغيرة، حتى تبتعد السفن عن الشاطئ في طريقها إلى وجهتها الرئيسية.

كانت مراكب الأثرياء والأمراء، التي كان يطلق عليها في بدايات القرن التاسع عشر اسم «الذهبيات»، تربض على شواطئ إسنا في انتظار دورها لعبور الهويس، الذي كان لا يسمح إلا بمرور مركب واحد في كل مرة، وهي فترة كافية لأن تمنح الزائر فرصة لجولة سياحية سريعة في المدينة، لتبديد ضجر الانتظار، وعلى رأسها زيارة معابدها العتيقة، مثل معبد خنوم الذي يتوسط منطقة تعج بمختلف الآثار المسيحية والإسلامية على حد سواء، مثل كنيسة السيدة العذراء، ووكالة الجداوي الأثرية التي تعد من أقدم الوكالات التجارية في صعيد مصر، إلى جانب المسجد العمري أو الجامع العتيق، الذي يقع شرق معبد إسنا، والذي يرجع تاريخ بنائه إلى عصر الإمام المستنصر بالله الفاطمي، في العام 487 هجرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jpzy3pe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"